لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

حرف السين المهملة

صفحة 9 - الجزء 6

  ما أَنْتَ بالحَكَمِ التُرْضى حُكومَتُه ... ولا الأَصيلِ ولا ذي الرأْي والجَدَلِ

  فأَدخل الأَلف واللام على تُرْضى، وهو فعل مستقبل على جهة الاختصاص بالحكاية؛ وأَنشد الفراء:

  أَخفن أَطناني إِن شكين، وإِنني ... لفي شُغْلٍ عن دَحْليَ اليَتَتَبَّعُ⁣(⁣١)

  فأَدخل الأَلف واللام على يتتبع، وهو فعل مستقبل لما وصفنا.

  وقال ابن كيسان في أَمْس: يقولون إِذا نكروه كل يوم يصير أَمْساً، وكل أَمسٍ مضى فلن يعود، ومضى أَمْسٌ من الأُموس.

  وقال البصريون: إِنما لم يتمكن أَمْسِ في الإِعراب لأَنه ضارع الفعل الماضي وليس بمعرب؛ وقال الفراء: إِنما كُسِرَتْ لأَن السين طبعها الكسر، وقال الكسائي: أَصلها الفعل أُخذ من قولك أَمْسِ بخير ثم سمي به، وقال أَبو الهيثم: السين لا يلفظ بها إِلا من كسر الفم ما بين الثنية إِلى الضرس وكسرت لأَن مخرجها مكسور في قول الفراء؛ وأَنشد:

  وقافيةٍ بين الثَّنِيَّة والضِّرْسِ

  وقال ابن بزرج: قال عُرامٌ ما رأَيته مُذ أَمسِ الأَحْدَثِ، وأَتاني أَمْسِ الأَحْدَثَ، وقال بِجادٌ: عهدي به أَمْسَ الأَحْدَثَ، وأَتاني أَمْسِ الأَحْدَثَ، قال: ويقال ما رأَيته قبل أَمْسِ بيوم؛ يريد من أَولَ من أَمْسِ، وما رأَيته قبل البارحة بليلة.

  قال الجوهري: قال سيبويه وقد جاء في ضرورة الشعر مذ أَمْسَ بالفتح؛ وأَنشد:

  لقد رأَيتُ عَجَباً، مُذْ أَمْسا ... عَجائزاً مِثْلَ السَّعالي خَمْسا

  يأْكُلْنَ في رَحْلِهنَّ هَمْسا ... لا تَرك اللَّه لهنَّ ضِرْسا

  قال ابن بري: اعلم أَن أَمْسِ مبنية على الكسر عند أَهل الحجاز وبنو تميم يوافقونهم في بنائها على الكسر في حال النصب والجرّ، فإِذا جاءَت أَمس في موضع رفع أَعربوها فقالوا: ذهب أَمسُ بما فيه، وأَهل الحجاز يقولون: ذهب أَمسِ بما فيه لأَنها مبنية لتضمنها لام التعريف والكسرة فيها لالتقاء الساكنين، وأَما بنو تميم فيجعلونها في الرفع معدولة عن الأَلف واللام فلا تصرف للتعريف والعدل، كما لا يصرف سَحَر إِذا أَردت به وقتاً بعينه للتعريف والعدل؛ وشاهد قول أَهل الحجاز في بنائها على الكسر وهي في موضع رفع قول أُسْقُف نَجْران:

  مَنَعَ البَقاءَ تَقَلُّبُ الشَّمْسِ ... وطُلوعُها من حيثُ لا تُمْسِي

  اليَوْمَ أَجْهَلُ ما يَجيءُ به ... ومَضى بِفَصْلِ قَضائه أَمْسِ

  فعلى هذا تقول: ما رأَيته مُذْ أَمْسِ في لغة الحجاز، جَعَلْتَ مذ اسماً أَو حرفاً، فإِن جعلت مذ اسماً رفعت في قول بني تميم فقلت: ما رأَيته مُذ أَمْسُ، وإِن جعلت مذ حرفاً وافق بنو تميم أَهل الحجاز في بنائها على الكسر فقالوا: ما رأَيته مُذ أَمسِ؛ وعلى ذلك قول الراجز يصف إِبلاً:

  ما زالَ ذا هزيزَها مُذْ أَمْسِ ... صافِحةً خُدُودَها للشَّمْسِ

  فمذ ههنا حرف خفض على مذهب بني تميم، وأَما على مذهب أَهل الحجاز فيجوز أَن يكون مذ اسماً ويجوز أَن يكون حرفاً.

  وذكر سيبويه أَن من العرب من يجعل أَمس معدولة في موضع الجر بعد مذ خاصة،


(١) قوله [أخفن أطناني الخ] كذا بالأَصل هنا وفي مادة تبع.