[فصل النون]
  أَنْفُس ونُفُوس؛ قال أَبو خراش في معنى النَّفْس الروح:
  نَجَا سالِمٌ والنَّفْس مِنْه بِشِدقِه ... ولم يَنْجُ إِلا جَفْنَ سَيفٍ ومِئْزَرَا
  قال ابن بري: الشعر لحذيفة بن أَنس الهذلي وليس لأَبي خراش كما زعم الجوهري، وقوله نَجَا سَالِمٌ ولم يَنْجُ كقولهم أَفْلَتَ فلانٌ ولم يُفْلِتْ إِذا لم تعدّ سلامتُه سلامةً، والمعنى فيه لم يَنْجُ سالِمٌ إِلا بجفن سيفِه ومئزرِه وانتصاب الجفن على الاستثناء المنقطع أَي لم ينج سالم إِلا جَفْنَ سيف، وجفن السيف منقطع منه، والنفس ههنا الروح كما ذكر؛ ومنه قولهم: فَاظَتْ نَفْسُه؛ وقال الشاعر:
  كادَت النَّفْس أَنْ تَفِيظَ عَلَيْه ... إِذْ ثَوَى حَشْوَ رَيْطَةٍ وبُرُودِ
  قال ابن خالويه: النَّفْس الرُّوحُ، والنَّفْس ما يكون به التمييز، والنَّفْس الدم، والنَّفْس الأَخ، والنَّفْس بمعنى عِنْد، والنَّفْس قَدْرُ دَبْغة.
  قال ابن بري: أَما النَّفْس الرُّوحُ والنَّفْسُ ما يكون به التمييز فَشاهِدُهُما قوله سبحانه: اللَّه يَتَوفَّى الأَنفُس حين مَوتِها، فالنَّفْس الأُولى هي التي تزول بزوال الحياة، والنَّفْس الثانية التي تزول بزوال العقل؛ وأَما النَّفْس الدم فشاهده قول السموأَل:
  تَسِيلُ على حَدِّ الظُّبَّاتِ نُفُوسُنَا ... ولَيْسَتْ عَلى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
  وإِنما سمي الدم نَفْساً لأَن النَّفْس تخرج بخروجه، وأَما النَّفْس بمعنى الأَخ فشاهده قوله سبحانه: فإِذا دخلتم بُيُوتاً فسلموا على أَنْفُسِكم، وأَما التي بمعنى عِنْد فشاهده قوله تعالى حكاية عن عيسى، على نبينا محمد وعليه الصلاة والسلام: تعلم ما في نفسي ولا أَعلم ما في نفسك؛ أَي تعلم ما عندي ولا أَعلم ما عندك، والأَجود في ذلك قول ابن الأَنباري: إِن النَّفْس هنا الغَيْبُ، أَي تعلم غيبي لأَن النَّفْس لما كانت غائبة أُوقِعَتْ على الغَيْبِ، ويشهد بصحة قوله في آخر الآية قوله: إِنك أَنت عَلَّامُ الغُيُوب، كأَنه قال: تعلم غَّيْبي يا عَلَّام الغُيُوبِ.
  والعرب قد تجعل النَّفْس التي يكون بها التمييز نَفْسَيْن، وذلك أَن النَّفْس قد تأْمره بالشيء وتنهى عنه، وذلك عند الإِقدام على أَمر مكروه، فجعلوا التي تأْمره نَفْساً وجعلوا التي تنهاه كأَنها نفس أُخرى؛ وعلى ذلك قول الشاعر:
  يؤَامِرُ نَفْسَيْه، وفي العَيْشِ فُسْحَةٌ ... أَيَسْتَرْجِعُ الذُّؤْبَانَ أَمْ لا يَطُورُها؟
  وأَنشد الطوسي:
  لمْ تَدْرِ ما لا؛ ولَسْتَ قائِلَها ... عُمْرَك ما عِشْتَ آخِرَ الأَبَدِ
  ولمْ تُؤَامِرْ نَفْسَيْكَ مُمْتَرياً ... فِيهَا وفي أُخْتِها، ولم تَكَدِ
  وقال آخر:
  فَنَفْسَايَ نَفسٌ قالت: ائْتِ ابنَ بَحْدَلٍ ... تَجِدْ فَرَجاً مِنْ كلِّ غُمَّى تَهابُها
  ونَفْسٌ تقول: اجْهَدْ نجاءك، لا تَكُنْ ... كَخَاضِبَةٍ لم يُغْنِ عَنْها خِضَابُهَا
  والنَّفْسُ يعبَّر بها عن الإِنسان جميعه كقولهم: عندي ثلاثة أَنْفُسٍ.
  وكقوله تعالى: أَن تقول نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ في جنب اللَّه؛ قال ابن سيده: وقوله تعالى: تعلم ما في نفسي ولا أَعلم ما في نفسك؛ أَي تعلم ما أَضْمِرُ ولا أَعلم ما في نفسك أَي لا أَعلم ما حقِيقَتُك ولا ما عِنْدَكَ عِلمُه، فالتأَويل تعلَمُ ما أَعلَمُ ولا أَعلَمُ ما تعلَمُ.
  وقوله تعالى: