[فصل الخاء]
  يتعلَّقان بأَوصاف الصورة الباطنة أَكثر مما يتعلقان بأَوصاف الصورة الظاهرة، ولهذا تكرّرت الأَحاديث في مَدح حُسن الخلق في غير موضع كقوله: مِن أَكثر ما يُدخل الناسَ الجنَّةَ تقوى الله وحُسْنُ الخلق، وقولِه: أَكملُ المؤْمنين إِيماناً أَحْسنُهم خلُقاً، وقوله: إِنَّ العبد ليُدرك بحُسن خُلقه درجةَ الصائم القائم، وقوله: بُعِثت لأُتَمِّم مَكارِم الأَخلاق؛ وكذلك جاءت في ذمّ سوء الخلق أَيضاً أَحاديث كثيرة.
  وفي حديث عائشة، ^: كان خُلُقه القرآنَ أَي كان متمسكاً به وبآدابه وأَوامره ونواهيه وما يشتمل عليه من المكارم والمحاسن والأَلطاف.
  وفي حديث عمر: من تخلَّق للناس بما يعلم الله أَنه ليس من نَفْسه شانَه الله، أَي تكلَّف أَيُظهر من خُلُقه خِلاف ما يَنطوِي عليه، مثل تصَنَّعَ وتجَمَّل إِذا أَظهر الصَّنِيع والجميل.
  وتَخلَّق بخلُق كذا: استعمله من غير أَن يكون مخلوقاً في فِطْرته، وقوله تخلَّق مثل تَجمَّل أَي أَظهر جَمالًا وتصنّع وتَحسَّن، إِنَّما تأْوِيلُه الإِظْهار.
  وفلان يَتخلَّق بغير خُلقه أَي يَتكلَّفه؛ قال سالم بن وابِصةَ:
  يا أَيُّها المُتحلِّي غيرَ شِيمَتِه ... إِن التَّخَلُّق يأْتي دُونه الخُلُقُ
  أَراد بغير شِيمته فحذف وأَوصَل.
  وخالَقَ الناسَ: عاشَرهم على أَخلاقِهم؛ قال:
  خالِقِ الناسَ بخُلْقٍ حَسَنٍ ... لا تَكُنْ كلْباً على الناسِ يَهِرّ
  والخَلْق: التقدير؛ وخلَق الأَدِيمَ يَخْلُقه خَلْقاً: قدَّره لما يريد قبل القطع وقاسه ليقطع منه مَزادةً أَو قِربة أَو خُفّاً؛ قال زهير يمدح رجلًا:
  ولأَنتَ تَفْري ما خَلَقْتَ، وبعضُ ... القومِ يَخْلُقُ، ثم لا يَفْري
  يقول: أَنت إِذا قدَّرت أَمراً قطعته وأَمضيتَه وغيرُك يُقدِّر ما لا يَقطعه لأَنه ليس بماضي العَزْم، وأَنتَ مَضّاء على ما عزمت عليه؛ وقال الكميت:
  أَرادُوا أَن تُزايِلَ خالِقاتٌ ... أَدِيمَهُمُ، يَقِسْنَ ويَفْتَرِينا
  يصف ابني نِزار من مَعدّ، وهما رَبِيعةُ ومُضَر، أَراد أَن نسَبهم وأَدِيمهم واحد، فإِذا أَراد خالقاتُ الأَديم التفْرِيقَ بين نسَبهم تبيَّن لهن أَنه أَديم واحد لا يجوز خَلْقُه للقطع، وضرَب النساء الخالِقاتِ مثلًا للنسّابين الذين أَرادوا التفريق بين ابني نِزار، ويقال: زايَلْتُ بين الشيئين وزيَّلْتُ إِذا فَرَّقْت.
  وفي حديث أُخت أُمَيَّةَ بن أَبي الصَّلْت قالت: فدخَلَ عليَّ وأَنا أَخلُقُ أَدِيماً أَي أُقَدِّره لأَقْطَعه.
  وقال الحجاج: ما خَلَقْتُ إِلَّا فَرَيْتُ، ولا وَعَدْتُ إِلَّا وَفَيْتُ.
  والخَلِيقةُ: الحَفِيرة المَخْلوقة في الأَرض، وقيل: هي الأَرض، وقيل: هي البئر التي لا ماءَ فيها، وقيل: هي النُّقْرة في الجبل يَسْتَنقِع فيها الماء، وقيل: الخليقة البئر ساعة تُحْفَر.
  ابن الأَعرابي: الخُلُق الآبارُ الحَدِيثاتُ الحَفْر.
  قال أَبو منصور: رأَيت بِذِرْوة الصَّمّان قِلاتاً تُمْسِك ماءَ السماء في صَفاةٍ خَلَقها الله فيها تسميها العرب خَلائقَ، الواحدة خَلِيقةٌ، ورأَيت بالخَلْصاء من جبال الدَّهْناء دُحْلاناً خلقها الله في بطون الأَرض أَفواهُها ضَيِّقَةٌ، فإِذا دخلها الداخل وجدها تَضِيقُ مرة وتَتَّسِعُ أُخرى، ثم يُفْضي المَمَرُّ فيها إِلى قَرار للماء واسع لا يوقف على أقْصاه،