لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل اللام]

صفحة 559 - الجزء 12

  قوله ø: رَبَّنا لِيَضِلُّلوا عن سبيلك؛ هي لام كَيْ، المعنى يا ربّ أَعْطيْتهم ما أَعطَيتَهم لِيضِلُّلوا عن سبيلك؛ وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: الاختيار أن تكون هذه اللام وما أَشبهها بتأْويل الخفض، المعنى آتيتَهم ما آتيتَهم لضلالهم، وكذلك قوله: فالتَقَطَه آلُ فهرْعون ليكونَ لهم؛ معناه لكونه لأَنه قد آلت الحال إلى ذلك، قال: والعرب تقول لامُ كي في معنى لام الخفض، ولام الخفض في معنى لام كَي لِتقارُب المعنى؛ قال الله تعالى: يَحْلِفون لكم لِترضَوْا عنهم؛ المعنى لإِعْراضِكم⁣(⁣١).

  عنهم وهم لم يَحْلِفوا لكي تُعْرِضوا، وإنما حلفوا لإِعراضِهم عنهم؛ وأنشد:

  سَمَوْتَ، ولم تَكُن أَهلاً لتَسْمو ... ولكِنَّ المُضَيَّعَ قد يُصابُ

  أَراد: ما كنتَ أَهلا للسُمُوِّ.

  وقال أبو حاتم في قوله تعالى: لِيَجّزِيَهم الله أَحسنَ ما كانوا يَعْملون؛ اللام في لِيَجْزيَهم لامُ اليمين كأنه قال لَيَجْزِيَنّهم الله، فحذف النون، وكسروا اللام وكانت مفتوحة، فأَشبهت في اللفظ لامَ كي فنصبوا بها كما نصبوا بلام كي، وكذلك قال في قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لك الله ما تقدَّم من ذنبك وما تأَخر؛ المعنى لَيَغْفِرنَّ الله لك؛ قال ابن الأَنباري: هذا الذي قاله أبو حاتم غلط لأَنَّ لامَ القسم لا تُكسَر ولا ينصب بها، ولو جاز أن يكون معنى لِيَجزيَهم الله لَيَجْزيَنَّهم الله لقُلْنا: والله ليقومَ زيد، بتأْويل والله لَيَقُومَنَّ زيد، وهذا معدوم في كلام العرب، واحتج بأن العرب تقول في التعجب: أَظْرِفْ بزَيْدٍ، فيجزومونه لشبَهِه بلفظ الأَمر، وليس هذا بمنزلة ذلك لأَن التعجب عدل إلى لفظ الأَمر، ولام اليمين لم توجد مكسورة قط في حال ظهور اليمين ولا في حال إضمارها؛ واحتج مَن احتج لأَبي حاتم بقوله:

  إذا هو آلى حِلْفةً قلتُ مِثْلَها ... لِتُغْنِيَ عنِّي ذا أَتى بِك أَجْمَعا

  قال: أَراد لَتُغْنِيَنَّ، فأَسقط النون وكسر اللام؛ قال أَبو بكر: وهذه رواية غير معروفة وإنما رواه الرواة:

  إذا هو آلى حِلْفَةً قلتُ مِثلَها ... لِتُغْنِنَّ عنِّي ذا أَتى بِك أَجمَعا

  قال: الفراء: أصله لِتُغْنِيَنّ فأسكن الياء على لغة الذين يقولون رأيت قاضٍ ورامٍ، فلما سكنت سقطت لسكونها وسكون النون الأَولى، قال: ومن العرب من يقول اقْضِنٍ يا رجل، وابْكِنَّ يا رجل، والكلام الجيد: اقْضِيَنَّ وابْكِيَنَّ؛ وأَنشد:

  يا عَمْرُو، أَحْسِنْ نَوالَ الله بالرَّشَدِ ... واقْرَأ سلاماً على الأَنقاءِ والثَّمدِ

  وابْكِنَّ عَيْشاً تَوَلَّى بعد جِدَّتِه ... طابَتْ أَصائلُه في ذلك البَلدِ

  قال أبو منصور: والقول ما قال ابن الأَنباري.

  قال أبو بكر: سأَلت أبا العباس عن اللام في قوله ø: لِيَغْفِرَ لك الله، قال: هي لام كَيْ، معناها إنا فتَحْنا لك فَتْحاً مُبِيناً لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح، فلما انضم إلى المغفرة شيءٌ حادثٌ واقعٌ حسُنَ معنى كي، وكذلك قوله: ليَجْزِيَ الذين آمنوا وعمِلوا الصالحاتِ، هي لامُ كي تتصل بقوله: لا يعزُبُ عنه مثقال ذرّة، إلى قوله: في كتاب مبين أَحصاه عليهم لكيْ يَجْزِيَ المُحْسِنَ بإحسانه والمُسِيءَ بإساءَته.

  [لام الأَمر]: وهو كقولك لِيَضْرِبْ زيدٌ عمراً؛ وقال أبو إسحق: أَصلها نَصْبٌ، وإنما كسرت ليفرق بينها وبين لام التوكيد ولا يبالىَ بشَبهِها بلام


(١) قوله [يحلفون لكم لترضوا عنهم؛ المعنى لاعراصكم الخ] هكذا في الأصل.