[فصل اللام]
  الجر، لأَن لام الجر لا تقع في الأَفعال، وتقعُ لامُ التوكيد في الأَفعال، ألا ترى أنك لو قلت لِيعضْرِبْ، وأنت تأْمُر، لأَشبَه لامَ التوكيد إذا قلت إنك لَتَضْرِبُ زيداً؟ وهذه اللام في الأَمر أَكثر ما اسْتُعْملت في غير المخاطب، وهي تجزم الفعل، فإن جاءَت للمخاطب لم يُنْكَر.
  قال الله تعالى: فبذلك فلْيَفرَحُوا هو خير؛ أكثرُ القُرّاء قرؤُوا: فلْيَفرَحوا، بالياء.
  وروي عن زيد بن ثابت أنه قرأَ: فبذلك فلْتَفْرَحوا؛ يريد أَصحاب سيدنا رسول الله، ﷺ، هو خير مما يَجْمَعون؛ أي مما يجمع الكُفَّار؛ وقَوَّى قراءةَ زيد قراءةُ أُبيّ فبذلك فافْرَحوا، وهو البِناء الذي خُلق للأَمر إذا واجَهْتَ به؛ قال الفراء: وكان الكسائي يَعيب قولَهم فلْتَفْرَحوا لأَنه وجده قليلاً فجعله عَيْباً؛ قال أبو منصور: وقراءة يعقوب الحضرمي بالتاء فلْتَفرَحوا، وهي جائزة.
  قال الجوهري: لامُ الأَمْرِ تأْمُر بها الغائبَ، وربما أَمرُوا بها المخاطَبَ، وقرئ: فبذلك فلْتَفْرَحوا، بالتاء؛ قال: وقد يجوز حَذْفُ لامِ الأَمر في الشعر فتعمل مضْمرة كقول مُتمِّم بن نُوَيْرة:
  على مِثْلِ أَصحابِ البَعوضةِ فاخْمُشِي ... لكِ الوَيْلُ حُرَّ الوَجْه أو يَبكِ من بَكى
  أراد: لِيَبْكِ، فحذف اللام، قال: وكذلك لامُ أَمرِ المُواجَه؛ قال الشاعر:
  قلتُ لبَوَّابٍ لَدَيْه دارُها: ... تِئْذَنْ، فإني حَمْؤها وجارُها
  أراد: لِتَأْذَن، فحذف اللامَ وكسرَ التاءَ على لغة من يقول أَنتَ تِعْلَمُ؛ قال الأَزهري: اللام التي للأَمْرِ في تأْويل الجزاء، من ذلك قولُه ø: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا ولْنَحْمِلْ خَطاياكم؛ قال الفراء: هو أَمر فيه تأْويلُ جَزاء كما أَن قوله: ادْخُلوا مساكنكم لا يَحْطِمَنَّكم، نهيٌ في تأْويل الجزاء، وهو كثير في كلام العرب؛ وأَنشد:
  فقلتُ: ادْعي وأدْعُ، فإنَّ أنْدَى ... لِصَوْتٍ أن يُناديَ داعِيانِ
  أي ادْعِي ولأَدْعُ، فكأَنه قال: إن دَعَوْتِ دَعَوْتُ، ونحو ذلك.
  قال الزجاج: وزاد فقال: يُقْرأُ قوله ولنَحْمِلْ خطاياكم، بسكون اللام وكسرها، وهو أَمر في تأْويل الشرط، المعنى إِن تتبَّعوا سَبيلَنا حمَلْنا خطاياكم.
  [لام التوكيد]: وهي تتصل بالأَسماء والأَفعال التي هي جواباتُ القسم وجَوابُ إنَّ، فالأَسماء كقولك: إن زيداً لَكَريمٌ وإنّ عمراً لَشُجاعٌ، والأَفعال كقولك: إه لَيَذُبُّ عنك وإنه ليَرْغَبُ في الصلاح، وفي القسَم: واللَّه لأَصَلِّيَنَّ وربِّي لأَصُومَنَّ، وقال اللَّه تعالى: وإنَّ منكم لَمَنْ لَيُبَطِّئنّ؛ أي مِمّنْ أَظهر الإِيمانَ لَمَنْ يُبَطِّئُ عن القتال؛ قال الزجاج: اللامُ الأُولى التي في قوله لَمَنْ لامُ إنّ، واللام التي في قوله ليُبَطِّئنّ لامُ القسَم، ومَنْ موصولة بالجالب للقسم، كأَنّ هذا لو كان كلاماً لقلت: إنّ منكم لَمنْ أَحْلِف بالله واللَّه ليُبَطِّئنّ، قال: والنحويون مُجْمِعون على أنّ ما ومَنْ والذي لا يوصَلْنَ بالأَمر والنهي إلا بما يضمر معها من ذكر الخبر، وأَن لامَ القسَمِ إِذا جاءت مع هذه الحروف فلفظ القَسم وما أَشبَه لفظَه مضمرٌ معها.
  قال الجوهري: أما لامُ التوكيد فعلى خمسة أَضرب، منها لامُ الابتداء كقولك لَزيدٌ أَفضل من عمرٍو، ومنها اللام التي تدخل في خبر إنّ المشددة والمخففة كقوله ø: إِنّ ربَّك لبِالمِرْصادِ، وقوله عز من قائلٍ: وإنْ كانت لَكبيرةً؛ ومنها التي تكون جواباً لِلَوْ ولَوْلا كقوله تعالى: لولا أَنتم لَكُنَّا مؤمنين، وقوله تعالى: لو تَزَيَّلُوا