شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الصوم

صفحة 277 - الجزء 2

  للتعارض وغير ذلك مما نبينه من بعد.

  والوجه الثاني: ما ذكرناه من أن في الأخبار ما يدل على أن المذكور فيها طريقه الاستحباب دون الإيجاب، وهو قوله ÷ للأعرابي الذي أتاه: «كله أنت وعيالك»، وفي بعض الأخبار: «كله»، وفي بعضها: «كله واستغفر الله».

  ولا خلاف أن من وجب عليه إخراج حق إلى الفقراء لا يجوز له أكله، فلما أذن له النبي ÷ في أكل ما كان أمره أن يتصدق به علم أنه لم يكن واجباً، وأنه كان مستحباً، وأيضاً لما قال: «كله واستغفر الله»، كان ذلك أمراً بالاستغفار وإذناً بالأكل لما كان أمره بالتصدق به، فدل ذلك على أنه لم يجب عليه إلا الاستغفار.

  فإن قيل: وقد روي في الظهار مثل هذا، ولم يدل ذلك على أن كفارة الظهار غير واجبة.

  قيل له: لو خلينا وظاهر ما روي فيه لقلنا: إن الكفارة فيه استحباب، كما قلنا فيمن أفطر في شهر رمضان، لكنا قلنا بإيجابها للدلالة التي دلت عليه من غير ذلك الخبر.

  والوجه الثالث من الكلام فيها: ما روي أن الرجل كان مظاهراً، وأن الكفارة كانت كفارة الظهار؛ بدلالة ما روي عن سلمة بن صخر قال: كنت امرأً أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان ظاهرت من امرأتي إلى انسلاخه، فبينا هي تخدمني إذ انكشف ساقها، فلم ألبث أن نزوت عليها، فجئت إلى رسول الله ÷ فقال لي: «حرر رقبة ...»⁣(⁣١) الحديث.

  ويدل على ذلك ما أخبرنا به أبو العباس الحسني |، قال: أخبرني ابن السدوسان، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا يحيى الحماني، قال: حدثنا


(١) أخرج نحوه أبو داود (٢/ ١٣١) وفيه: تخدمني ذات ليلة. والترمذي (٢/ ٤٩٦) وفيه: وقع عليها ليلاً.