باب القول فيما يفسد الصيام وفيما لا يفسده وفيما يلزم فيه الفدية
  حصين(١)، عن أبي يزيد الضِّنِّي(٢)، عن ميمونة بنت سعيد، قالت: سئل النبي ÷ عن القبلة للصائم فقال: «أفطرا جميعاً»(٣).
  فدل الخبر على فساد الصوم من كل قبلة، فلما ثبت بالأخبار المستفيضة عن النبي ÷ أنه كان يقبل وهو صائم، وأنه أباحها لمن لم يخف إفساد صومه - خصت القبلة التي لا إنزال معها، وبقيت القبلة التي معها الإنزال، فوجب أن يقع بها الإفطار.
  وأيضاً قد نبه على ذلك نهيه ÷ الشاب عنها وأباحها للشيخ(٤)؛ لأنا لو لم نقل ذلك كان الخبر لا فائدة له؛ ألا ترى أن من كان الغالب من أمره أنه لا ينزل من القبلة أباحها له، وحظرها على الشاب؛ إذ لم يأمن أن يقع الإنزال بها؟ ولم يفصل أحد في هذا الباب بين اللمس والقبلة، فيجب أن يكون حكمها حكمه.
  ومما يعتمد في فساد صوم من أمنى عن قبلة أو نظر أو لمس ما أجمعنا عليه فيمن أتى أهله فيما دون الفرجين فأنزل أنه يفطر، فكذلك يفطر من أنزل من قبلة أو نظر أو لمس قياساً عليه، والمعنى أنه أنزل مختاراً فِعْلَ سببه.
  فإن ألزموا عليه من فكر فأنزل فلا نص عليه لأصحابنا، وليس يبعد أن نقول: إنه إذا فكر مختاراً للفكر حتى أنزل فسد صومه، على أنا لو أردنا الاحتراز منه لقلنا: أنزل مختاراً بسبب من أفعال الجوارح. ولا يبعد أن يقال: إن أفعال القلوب لا تأثير لها في إفساد العبادات، وإن كان لها تأثير في صحتها في بعض
(١) الصواب: زيد بن جبير كما في شرح معاني الآثار للطحاوي. (كاشف) وكما في سنن ابن ماجه (١/ ٥٣٨).
(٢) في المخطوطات: الضبي. والمثبت من شرح معاني الآثار وسنن ابن ماجه. قال في تهذيب التهذيب: وقال عبدالغني بن سعيد وابن ماكولا: هو بكسر الضاد وتشديد النون، وهو منكر الحديث.
(٣) شرح معاني الآثار (٢/ ٨٨).
(٤) أخرجه أحمد في المسند (١١/ ٣٥١) والطبراني في الكبير (١٣/ ٥٦).