باب القول فيما ينبغي أن يفعله المفرد والقارن والمتمتع
  فإن قيل: كيف وأنتم تذهبون إلى أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين، والمتمتع لا خلاف أنه يطوف ويسعى لعمرته ثم لحجه؟
  قيل له: إنه وإن كان كذلك فمن المعلوم أن الإفراد أكثر عملاً؛ لأنه يحرم للحج من الميقات، ثم يحرم للعمرة بعد ذلك من ميقاتها(١)، والمتمتع تكون حجته مكية، والقارن لا يلزمه إلا عقد واحد وإحرام واحد من جهة الفعل، وإن كان ذلك من طريق الحكم إحرامين، فبان بذلك أنه أكثر عملاً. والإفراد بالحج والعمرة يكون فيهما حلاقان، وليس للقارن إلا حلاق واحد. وأيضاً لا خلاف أن أداء الصلاتين كل واحدة منهما في وقتها المختار أفضل من الجمع بينهما مع السلامة، فكذلك الحج والعمرة، والمعنى أنهما عبادتان من جنس واحد تختص الأبدان، فوجب أن يكون إفراد(٢) كل واحدة منهما أفضل من الجمع بينهما.
  يؤكد ما ذهبنا إليه: أن التمتع والقران يجريان مجرى الترفيه والرخصة، ألا ترى أن المتمتع رخص له التمتع بما يتمتع به الحلال في وقت وهو محظور على الحاج، والقارن رخص له في أن يعقد العمرة والحج بإحرام واحد في دفعة واحدة، وهو محظور على المفرد، فإذا كان ذلك كذلك لم يجز أن تكون الرخصة أعلى حالاً من الأصل؛ إذ العبادات كلها حكمها(٣) على ما ذكرنا.
  ومما يبين أن ما ذكرناه ضرب من الترفيه: أن كثيراً من العلماء يكرهون لأهل مكة فعله، لما كانوا عن الترفيه أغنى، ولم يكره لأهل الآفاق، لما كانوا إلى الترفيه أحوج، فكان ذلك كالوتر على الراحلة لما كان ترفيهاً خص به المسافر؛ إذ هو أحوج إلى الترفيه، دون المقيم الذي هو أغنى عنه.
  ويؤكد ما ذهبنا إليه: قول الله تعالى: {وَأَتِمُّواْ اُ۬لْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِۖ}[البقرة: ١٩٥]،
(١) في (أ، ج، د) ونسخة في (ب): ميقاته.
(٢) «إفراد» ساقطة من (أ).
(٣) في (أ): والعبادات حكمها كلها.