كتاب الحج
  وأيضاً هو قياس على الجماع واستعمال الطيب، والعلة أنه معنى محرم على المحرم، فوجب أن يعم التحريم جنسه، فيجب أن يكون جميع الأكل للصيد محرماً مع سلامة الحال. وكذلك كل حيوان يمنع المسلم من تذكيته لا لحق الآدمي فإنه لا يحل أكله وإن ذكاه غيره، كالخنزير وسائر ما لا يؤكل لحمه، فوجب أن يكون ذلك حكم الصيد للمحرم.
  ومما يؤكد قياساتنا هذه: أنا وجدنا التحريم إذا تعلق بمعنى وبالسبب المؤدي إليه في باب الحج لم يجز أن يكون حكم السبب أغلظ من حكم ما يؤدي السبب إليه، كالجماع لم يجز أن يكون حكم ما يؤدي إليه من المباشرة أو عقد النكاح أغلظ من حكمه(١)؛ لأن المباشرة وإن كانت محرمة بالإجماع فلا خلاف أن حكم الجماع أغلظ من حكمها، والعقد قد اختلف في جوازه، ولا خلاف عند أي القائلين بالمنع منه أن الجماع أغلظ حكماً منه، وكذلك طرد الصيد وإفزاعه أخف حكماً من قتله، لما كان الطرد والإفزاع كالسببين للقتل، فإذا ثبت ذلك لم يجز أن يكون ذبح الصيد أغلظ حكماً من أكله؛ لأن الذبح هو المؤدي إلى الأكل، فإذا ثبت أن الذبح محرم عليه على كل وجه، ولم يجز أن يكون الأكل أخف حكماً منه - وجب أن يكون الأكل أيضاً محرماً على كل وجه.
  فإن قيل: ما أنكرتم على من قال لكم: إن الأكل أخف حكماً من الذبح، بدلالة أن الحلال يأكل من الصيد في الحرم، ولا يذبحه؟
  قيل له: هذا السؤال لا يصح، وذلك [لأنه](٢) يصح أن يقال في شيئين: إن(٣) أحدهما أخف حكماً أو أغلظ حكماً إذا كان الحكم حاصلاً لهما جميعاً، فأما إذا حصل الحكم لأحدهما ولم يحصل للآخر رأساً استحال أن يقال ذلك فيهما،
(١) «أغلظ من حكمه» ساقط من (أ، ج).
(٢) ما بين المعقوفين مظنن به في (د).
(٣) «إن» ساقطة من (ب، ج، د).