باب القول فيما يجب على المحرم توقيه
  قيل له: ظاهر الخبر يدل على أنه أمره بغسله للإحرام؛ لأن الرجل أتاه فقال له: أنا محرم وأنا كما ترى، فقال له: افعل كذا وكذا، وما كنت صانعاً في حجتك فاصنعه في عمرتك، فصار الكلام على أحكام الإحرام، ولو كان ذلك لغير الإحرام لبين ذلك ÷ ودل عليه.
  على أن الصفرة قد ورد فيها ما يدل على خلاف ما ذكروا:
  روى(١) أبو داود في السنن، حدثنا عبدالله بن مسلمة القعنبي، قال: حدثنا عبدالعزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، أن ابن عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، فقيل له: لم تصبغ بالصفرة؟ فقال: إني رأيت رسول الله ÷ يصبغ بها [ولم يكن شيء أحب إليه منها، وقد كان يصبغ ثيابه](٢) كلها حتى عمامته.
  ويحتمل النهي الوارد عن التزعفر أن يكون المراد به في حال الإحرام.
  فإذا ثبت ما ذكرناه في الصفرة ثبت أن أمر النبي ÷ ذلك الرجل بغسل ما كان على لحيته وثيابه لأجل الإحرام، فدل ذلك على أن الطيب عند الإحرام غير جائز.
  وروي أن عمر وجد ريح طيب وهو بذي الحليفة، فقال: ممن هذا؟ فقال معاوية: مني، فقال عمر: منك لعمري، فقال: لا تعجل علي، فإن أم حبيبة طيبتني، وأقسمت علي، قال: أنا أقسم عليك فلترجع إليها فلتغسله عنك، فرجع إليها فغسلته(٣). فدل إنكاره على معاوية وإقسامه عليه ليغسلن على أنه قال ذلك توقيفاً؛ لأن ما طريقه الاجتهاد لا يجوز أن ينكر على من خالفه.
(١) في (ب، د): فروى.
(٢) ما بين المعقوفين من سنن أبي داود (٣/ ٥٥).
(*) في (ب، د): «يصبغ بها لحيته كلها»، وليس هذا في الحديث.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٣/ ٢٠٧) وفيه: وأنا أقسم عليك لترجعن إليها. وروى نحوه البيهقي في السنن الكبرى (٥/ ٥٤).