شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيما يجب على المحرم توقيه

صفحة 486 - الجزء 2

  قيل له: ظاهر الخبر يدل على أنه أمره بغسله للإحرام؛ لأن الرجل أتاه فقال له: أنا محرم وأنا كما ترى، فقال له: افعل كذا وكذا، وما كنت صانعاً في حجتك فاصنعه في عمرتك، فصار الكلام على أحكام الإحرام، ولو كان ذلك لغير الإحرام لبين ذلك ÷ ودل عليه.

  على أن الصفرة قد ورد فيها ما يدل على خلاف ما ذكروا:

  روى⁣(⁣١) أبو داود في السنن، حدثنا عبدالله بن مسلمة القعنبي، قال: حدثنا عبدالعزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، أن ابن عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، فقيل له: لم تصبغ بالصفرة؟ فقال: إني رأيت رسول الله ÷ يصبغ بها [ولم يكن شيء أحب إليه منها، وقد كان يصبغ ثيابه]⁣(⁣٢) كلها حتى عمامته.

  ويحتمل النهي الوارد عن التزعفر أن يكون المراد به في حال الإحرام.

  فإذا ثبت ما ذكرناه في الصفرة ثبت أن أمر النبي ÷ ذلك الرجل بغسل ما كان على لحيته وثيابه لأجل الإحرام، فدل ذلك على أن الطيب عند الإحرام غير جائز.

  وروي أن عمر وجد ريح طيب وهو بذي الحليفة، فقال: ممن هذا؟ فقال معاوية: مني، فقال عمر: منك لعمري، فقال: لا تعجل علي، فإن أم حبيبة طيبتني، وأقسمت علي، قال: أنا أقسم عليك فلترجع إليها فلتغسله عنك، فرجع إليها فغسلته⁣(⁣٣). فدل إنكاره على معاوية وإقسامه عليه ليغسلن على أنه قال ذلك توقيفاً؛ لأن ما طريقه الاجتهاد لا يجوز أن ينكر على من خالفه.


(١) في (ب، د): فروى.

(٢) ما بين المعقوفين من سنن أبي داود (٣/ ٥٥).

(*) في (ب، د): «يصبغ بها لحيته كلها»، وليس هذا في الحديث.

(٣) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٣/ ٢٠٧) وفيه: وأنا أقسم عليك لترجعن إليها. وروى نحوه البيهقي في السنن الكبرى (٥/ ٥٤).