شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحج

صفحة 569 - الجزء 2

  فإن قيل: لولا أن الحج يقع عن الحاج لم يلزمه أن يحج إذا فسد حجه أو فات.

  قيل له: إن الحج وإن وقع عن المحجوج عنه دون الحاج فلا يمتنع أن يلزمه ذلك؛ لأنه يجري مجرى ضمان الجنايات؛ لأنه حكم يلزم من اتفق ذلك عليه وهو محرم.

  فإذا ثبت ذلك ثبت أنه مما تصح النيابة فيه، وإذا صح ذلك صح أن يفعله النائب بأجرة وغير أجرة، دليله أداء الزكاة، ألا ترى أنه لما جازت النيابة في تفرقة الزكاة جاز أن يستأجر من يفرقها عن المزكي، وسائر الأفعال التي تصح الإجارة عليها دليله وأصله.

  فإن قيل: لا خلاف أنه لا يجوز أن يستأجر من يصلي للغير، وعندكم لا يجوز أن يستأجر من يؤذن ومن يعلم القرآن، فما أنكرتم على من قال لكم: لا يجوز أن يستأجر من يحج عن الغير؟

  قيل له: ليست العلة فيما ذكرتم ما أشرتم إليه، بل العلة أن الأذان والصلاة والتعليم مما لا تصح فيه النيابة ولا يقع عن الغير، فلم يجز أن يستحق الإنسان الأجرة على ما يفعله لنفسه، ألا ترى أن كثيراً من القرب لما صحت النيابة فيه جاز أن يستحق عليه الأجرة، كنحو كتب المصاحف وبناء المساجد وحفر القبور، على أن قياسهم هذا يشهد لقياسنا، ألا ترى أن ما ذكروه لما لم تصح النيابة فيه لم يصح أن يستأجر فيه من يفعله؟

  فإن قيل: فكيف تقولون: إن الأذان لا تصح النيابة فيه وعندكم أن أذان الواحد يكفي⁣(⁣١) الجماعة.

  قيل له: لسنا نقول: إنه يجزئ على وجه النيابة، ولكن نقول: إن الأذان فرض من فروض الكفايات، فإذا قام به البعض سقط عن البعض الباقين لا على طريق النيابة، ألا ترى أنه لا يجب للمؤذن أن يؤذن بأجرة، فبان أنه لا تصح النيابة فيه.


(١) في (ب، د): يجزي.