شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب النكاح

صفحة 39 - الجزء 3

  تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم} العقد، فلا يمكن التعلق به لقولهم.

  فإن قيل: فقد روى أهل اللغة أن اسم النكاح كان اسماً للوطء⁣(⁣١)، وهو مأخوذ من الجمع، وروي: «لعن الله ناكح البهيمة»⁣(⁣٢).

  قيل له: إن صح ذلك لم يعترض ما قلناه؛ لأن الاسم لا يمتنع أن يوضع في أصل اللغة لأمر ثم ينقله العرف أو الشرع أو هما جميعاً، فيكون استعماله إذا ورد في خطاب الله تعالى وخطاب رسوله ÷ في المنقول إليه أولى، ويكون قد صار حقيقة فيه، وجرى فيما وضع له في الأصل مجرى المجاز، نحو قولهم: دابة إنها كانت اسماً لكل ما دب، ثم صار من جهة العرف اسماً للبهيمة المخصوصة، وكذلك الصلاة كانت في الأصل اسماً للدعاء وحقيقة فيه، ثم نقلها الشرع فجعلها اسماً للعبادة المخصوصة وحقيقة فيها، وحقيقة الغائط كان اسماً لما انخفض من الأرض، ثم صار من جهة العرف والشرع اسماً لقضاء الحاجة المخصوصة، وصار حقيقة فيه، وصار استعماله فيما كان وضع له في الأصل جارياً مجرى المجاز، وكذا قولنا⁣(⁣٣): نكاح وإن صح فيه ما ذكروا فقد غلب العرف والشرع عليه وجعلاه⁣(⁣٤) اسماً للعقد وحقيقة فيه.

  ويقال لهم: لا خلاف بين الأمة أن تحريم من عقد عليها الأب على ابنه قد عقل من قوله: {وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ اَ۬لنِّسَآ۟} فثبت بالإجماع أن العقد مراد حقيقة كان أو مجازاً، ومذهب من يخالفنا في هذه المسألة أنه لا يجوز أن يراد المعنيان المختلفان بعبارة واحدة، فلا يصح له ادعاء أن الوطء مراد به، فسقط تعلقهم به.


(١) كذا في المخطوطات.

(٢) أخرجه الإمام زيد بن علي # في المجموع (١٧٨) بلفظ: «إني لعنت ثلاثة فلعنهم الله تعالى: الإمام يتجر في رعيته، وناكح البهيمة ... إلخ».

(٣) في (د): فلذلك قلنا: النكاح اسم للعقد وإن صح فيه ما ذكروا.

(٤) في (د): وحولاه.