باب القول فيما يرد به النكاح
  فإن قيل: فإنا لو لم نجعل لها الخيار كنا قد أضررنا بها؛ لأنها لا تصل إلى الاستمتاع إلا من جهة الزوج.
  قيل له: هذا الاعتبار فاسد؛ لأنها إذا وطئت مرة واحدة فالضرر الذي ذكرتموه قائم، ومع ذلك فإن عرضت لزوجها عنّة لم يكن لها خيار.
مسألة: [في أن المعسر الذي يعجز عن النفقة لا يجبر على فراق زوجته]
  قال: وكذلك المعسر الذي يعجز عن النفقة لا يجبر على فراق زوجته.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام(١)، وهو قول القاسم # وأبي حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي: يفرق بينهما إن اختارت المرأة الفراق.
  والدليل على ذلك: قوله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُۥ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءَاتَيٰهُ اُ۬للَّهُۖ}[الطلاق: ٧] فبين تعالى حكم المعسر، وأنه ليس عليه إلا ما آتاه الله، وأنه يجعل له بعد عسر يسراً، فدل ذلك على ما قلناه من وجهين:
  أحدهما: أنه بيان حكم المعسر، ولم يذكر وجوب الخيار لزوجته، فوجب ألا يكون لها الخيار.
  والثاني: أنه تعالى دل بهذه الآية أنه لا يكلفه إلا ما آتاه(٢)، فبان أنه ليس يلزمه ما عجز عنه، وإذا لم يلزمه ذلك لم يفرق بينه وبين امرأته لذلك، كما لا يفرق بينه وبينها لعجزه عن سائر ما يلزمه.
  فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فَإِمْسَاكُۢ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُۢ بِإِحْسَٰنٖۖ}[البقرة: ٢٢٩] فإذا لم يمسك بمعروف وجب أن يسرح بإحسان.
  قيل له: هو عندنا ممسك بمعروف إذا أمسك على حسب الطاقة؛ لأنه مؤد ما كلف به. على أن الظاهر لا تعلق لهم به، وذلك أنهم لا يخالفون في أنه لو لم يمسكها بمعروف مع القدرة على النفقة لم يفرق بينهما، وإنما يوجبون التفريق
(١) الأحكام (١/ ٤٣٣).
(٢) في (أ): إلا ما أتاه الله.