باب القول فيما يرد به النكاح
  للعجز، وليس في الآية ذكر العجز.
  ويدل على ذلك أنه لو عجز عن نفقة الموسر(١) لم يجب التفريق، كذلك إذا عجز عن النفقة، والمعنى حصول العجز عن الإنفاق. ولا خلاف أن المفقود عاجز عن الإنفاق، ولا يفرق بينه وبين امرأته، فكذلك الحاضر وإن عجز، والعلة حصول العجز عن الإنفاق، فوجب ألا يوجب التفريق. ويشهد لصحة ما ذهبنا إليه سائر ما تستحقه المرأة من السكنى والقسم، ونفقة الخادم إن كانت المرأة ممن لا تخدم نفسها وتجب لها الخدمة؛ لأنه لا يجب أن يفرق بينها وبين الزوج وإن عجز الزوج عنه، فكذلك النفقة.
  وعمدتهم في هذا الباب خيار العنة، ونحن لا نقول به، فلا يمكنهم الاعتماد عليه، وذكر ابن أبي هريرة أن الزوج إذا عجز عن المهر بعد الدخول فلا خيار للمرأة قولاً واحداً، وهذا أيضاً يشهد لصحة ما ذهبنا إليه.
  فإن قيل: فالمشتري إذا أفلس والسلعة في يده(٢) قائمة بعينها يكون للبائع الخيار في فسخ البيع، فكذلك العاجز عن النفقة.
  قيل له: الثمن في مقابلة السلعة، فإذا بطل الثمن كان للبائع الرجوع فيه، وليس كذلك النفقة؛ لأنها ليست عوضاً من البضع، فلم يجب أن يكون سبيلها سبيل الثمن. على أن الأشبه بالثمن هو المهر، ولا يخالفون أن العجز عنه بعد الدخول لا يوجب لها الخيار، وإن كان ذلك عندهم قبل الدخول على قولين، فالأولى أن يكون العجز عن النفقة لا يوجب الخيار. على أن المهر أيضاً مفارق للثمن؛ لأن البيع لا يتم إلا بالثمن، وفساد الثمن يقتضي فساد البيع، وليس كذلك المهر؛ لأن النكاح يثبت دونه، وفساده لا يوجب فساد النكاح.
(١) أي: عن تمام نفقة الموسر، وهي مدان عند الشافعي، ونفقة المعسر مد عنده. (من هامش نخ).
(٢) «في يده» ساقط من (ج).