باب القول في صفة الطلاق وتنوعه
  بمثله خالف حكمه حكم العتق الواقع بالكتابة في الوجه الذي جمعوا بينهما، ألا ترى أنه لو قال: «أنت طالق وقت قدوم زيد» فلا خلاف بيننا وبينهم أن تحريم الوطء لا يقع حتى يقع قدوم زيد؟ وهذا نقض ظاهر.
  ويؤيد ما ذهبنا إليه: قول الله تعالى: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِۖ ١}[المائدة] وهو قد عقد الطلاق إلى مدة، فوجب ألا يغير حكم عقده، وقول النبي ÷: «المؤمنون عند شروطهم».
مسألة: [في الطلاق بالكتابة]
  قال: ولو أنه كتب إليها: «أنت طالق إذا جاءك كتابي هذا» وقع الطلاق يوم يأتي الكتاب، فإن ضاع الكتاب أو احتبس عنها لم يقع الطلاق، وإن كتب: «أنت طالق» وقع الطلاق يوم كتب.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام والمنتخب(١)، وروي عن القاسم #، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
  والأصل فيه: أن الكتابة جارية مجرى الكلام لوجهين:
  أحدهما: ما ثبت عن النبي ÷ أنه أجراها مجرى الكلام في مكاتبة من كاتب داعياً إلى الإسلام والشرائع، حتى لم يفصل بين من خاطبه شفاهاً في ذلك وبين من كاتبه في لزوم ما كان ÷ يلزمه إياه.
  والثاني: أن العرف قد حصل بين الناس بأنهم يتخاطبون بالمكاتبة كما يتخاطبون بالملاسنة، بل لا يمتنع أن يقال: إن الكتابة في ذلك أبلغ؛ لأنه خطاب للغائب والحاضر، فإذا ثبت ذلك فأقل ما يجب فيها أن تجري مجرى الكنايات عن الطلاق في وقوع الطلاق بها، فإذا صح ذلك صح ما قلناه من أن المطلق منها يوجب وقوع الطلاق في حال الكتابة، والمعلق منها على شرط وصول الكتاب ونحوه يقع بحصول الشرط كما صح ذلك في سائر ألفاظ الطلاق.
(١) الأحكام (١/ ٣٩٠) والمنتخب (٢٧٢، ٢٧٣).