باب القول في اللعان
  النبي ÷ فرق بين المتلاعنين، فمنها ما مضى، ومنها: ما أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا الناصر، قال: حدثنا الحسن بن يحيى الحسيني، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عائذ، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير قال: «قضى رسول الله ÷ في أخت بني عجلان إذ لاعنت زوجها أن فرق بينهما، وجعل لها المهر»، ولفظ التفريق إذا استعمل في الشرع على هذا الحد أفاد قطع أحكام النكاح، فوجب أن يكون ذلك دالاً على أن النبي ÷ هو الذي قطع أحكام النكاح، وفي ذلك دليل على أنها كانت ثابتة حين قطعها ÷.
  فإن قيل: فقد يقال: إن الحاكم فرق بين فلان وزوجته وإن لم يكن قطع ما بينهما من النكاح إذا منعها منه، فما أنكرتم أن يكون ما روي من تفريقه ÷ محمولاً على ذلك؟
  قيل له: إذا كان استعمال التفريق في عرف الشرع يقتضي ما ذكرناه فلا يجوز الانصراف عنه إلى ما سواه إلا بالدليل، والدليل على ذلك ما رواه أبو داود في السنن بإسناده عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمر العجلاني لما فرغ من لعان امرأته قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها عويمر ثلاثاً(١). ففي هذا بيان أن الفرقة لم تكن وقعت بنفس اللعان؛ لأنها لو كانت وقعت بنفس اللعان لم يقاره النبي ÷ على قوله: كذبت عليها إن أمكستها، ولا على طلاقه لها؛ لأن ذلك لا يصح أن يقال إلا فيمن تكون له بعد زوجة، وإذا ثبت أن الزوجية لم تكن انقطعت بعد بنفس اللعان ثبت أنها تنقطع بتفريق الحاكم على ما ذهبنا إليه.
  فإن قيل: ولم ادعيتم أن الفرقة لو كانت وقعت بنفس اللعان كان النبي ÷ لا يقاره عليه؟
(١) سنن أبي داود (٢/ ١٣٩).