شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيما يصح أو يفسد من البيوع

صفحة 6 - الجزء 4

  فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اَ۬للَّهُ اُ۬لْبَيْعَ وَحَرَّمَ اَ۬لرِّبَوٰاْۖ}⁣[البقرة: ٢٧٤]، فهو عام في جميع البيوع، إلا ما قام دليله.

  قيل له: نخص الآية بالخبر، ونبنيها عليه؛ لأنه أخص، ولأنه يتناول موضع الخلاف على التعيين، فهو أولى.

  فإن قيل: خبركم يتناول ما يصح فيه القبض الحقيقي، والدور والعقار لا يصح فيها القبض الحقيقي؛ لأن القبض الحقيقي لا يكون إلا بالنقل والتحويل، وذلك لا يتأتى في الدور والعقار.

  قيل له: هذا الذي ذكرتموه فاسد؛ لأن القبض لا يقتضي النقل والتحويل، ألا ترى أن من اشترى ثوباً بين يديه فخلى البائع بينه وبينه بحيث يمكنه الانتفاع به يكون قد قبضه وإن لم ينقله؟

  على أنه لا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة أن الرهن لا يصح إلا بأن يكون مقبوضاً، ورهن الدور والعقار صحيح، فلولا أن القبض يتأتى فيها كان رهنها لا يصح. وكذلك عنده أن الهبة لا تصح إلا بالقبض، وهبة ما لا ينقل عنده صحيحة، فلولا أن القبض فيه قد حصل لم تكن تصح هبته. وكذلك من اشترى أرضاً أو داراً فلا خلاف أن المطالبة بتسليمها واجبة ما لم يقبضها، فكل ذلك يدل على فساد قولهم: إن القبض الحقيقي فيه لا يصح.

  فإن قيل: أردنا بالقبض ما تقتضيه اللغة، دون ما أشرتم إليه.

  قيل له: لا معتبر في مثل ذلك بما يقتضيه أصل اللغة؛ لأن العرف الحاصل أقوى منه والأولى أن يحمل عليه خطاب الله تعالى وخطاب رسوله ÷، دون أصل اللغة، كما نقول ذلك في الأسماء المنقولة. على أن القبض الذي هو قبض في أصل اللغة هو أن تحيط الأصابع والراحة بالشيء، وذلك لا يتأتى في أكثر الأشياء، فبان بذلك كله صحة ما ذهبنا إليه، وأن الواجب في الخبر أن يحمل على ما يقتضي العرف أنه قبض.