كتاب البيوع
  ويدل على ذلك ما أجمعنا عليه من أن بيع الطعام قبل القبض لا يجوز، وكذلك لا خلاف بيننا وبينه في سائر الأشياء التي يصح فيها النقل والتحويل أن بيعه قبل القبض لا يجوز، فكذلك ما اختلفنا فيه؛ لأنه سلعة لم يقبضها المشتري، فوجب ألا يجوز بيعها. ولا يعترض ذلك الدنانير التي في الذمة قبل القبض؛ لأنها ليست من جملة السلع، بل هي من الأثمان.
  وأيضاً ما يصح فيه النقل والتحويل لم يجز بيعه قبل القبض لأن تمام البيع الأول موقوف على القبض؛ ألا ترى أن حق التسليم بعد باق، وهو من كمال العقد وتمامه؟ فيجب على هذا ألا يجوز البيع قبل القبض فيما لا يجوز فيه النقل والتحويل لما ذكرناه.
  وليس يعترض ذلك حق استيفاء الثمن؛ لأنه ليس من تمام العقد؛ ألا ترى أن الإبراء منه يصح من البائع مع ثبوت العقد؟ وليس كذلك حق التسليم، فعلم أنه من تمام العقد.
  ويمكن أن يقال: إن العلة في المنع من بيع ما لم يقبض طعاماً كان أو غيره أنه سلعة مضمونة على البائع بعقد البيع، فوجب ألا يجوز بيعه قبل القبض، ولا يلزم عليه ضمان الغصب، ولا ضمان العارية إذا اشترط فيها ذلك؛ لأن كل ذلك مما لا يصح أن يقال فيه: إنه مضمون على البائع بعقد البيع.
  فإن قيل: فأنتم تمنعون جواز بيع الخمس أو الصدقة حتى تقبض، وهما لا يصح أن يقال: إنهما(١) مضمونان على البائع بعقد البيع.
  قيل له: هذا وجود الحكم ولا علة، ونحن بينا أن ذلك لا يوجب النقض(٢)، فما ذكرتموه ليس بنقض.
(١) في (أ): هما.
(٢) إذ لا يشترط في العلة أن تنعكس على القول المختار. (من هامش هـ).