شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب البيوع

صفحة 23 - الجزء 4

  أنه باع مدبراً، فاستعملنا الخبرين؛ بأن حملنا بيعه المدبر على مدبر دون مدبر، وأنتم استعملتوه بأن حملتموه على اختلاف أحوال المدبر في نفسه، فتساوينا فيه، وبقي لنا قوله: «المدبر لا يباع ولا يشترى».

  قيل له: استعمالنا أولى من استعمالكم، وذلك أن ما راعيناه من اضطرار المدبِّر تضمنته الأخبار الواردة في هذا الباب؛ ألا ترى أن في بعض الأخبار أنه باع مدبراً في الدين، وفي بعضها: أن رجلاً أعتق عبده عن دبر لا مال له غيره، وفي بعضها: فذكر الحاجة لرسول الله ÷؟

  وفيما رواه أبو داود في السنن بإسناده عن أبي الزبير، عن جابر: أن رجلاً من الأنصار يقال له: أبو مذكور أعتق غلاماً له يقال له: يعقوب عن دبر، ولم يكن له مال غيره، فدعا به النبي ÷ فقال: «من يشتريه؟» فاشتراه نعيم بن عبدالله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه وقال: «إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه»⁣(⁣١).

  وفي بعض الأخبار: أنه ÷ باعه وقال: «الله عنه غني، وأنت إلى ثمنه أحوج»⁣(⁣٢).

  فكل ذلك يدل على أن السبب الذي بيع من أجله ما ذهبنا إليه، فكان استعمالنا أولى من استعمال من حمله على ما لم ينطق به شيء من الأخبار.

  ومما يدل على ذلك: أنه أمر مستقر يراعى لتنفيذه الثلث، فوجب ألا يجوز الاعتراض عليه إلا لعذر؛ دليله الوصية بعد الموت، وليس يلزم عليه الوصية قبل الموت؛ لأن الوصية لا تستقر قبل الموت، وإنما استقرارها بعد الموت، وليس كذلك التدبير؛ لأنه يستقر قبل الموت؛ ألا ترى أنه لا خلاف أن العبد يكون مدبراً في حال حياة مولاه؟


(١) سنن أبي داود (٣/ ٢٧).

(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٥٢٤) بلفظ: أنت إلى ثمنه أحوج، والله عنه غني.