باب القول في بيع الأجناس بعضها ببعض
  الله ÷: «آتنا خبيئتنا التي استخبأناك»، فأخبره بالذي صنع، فقال رسول الله ÷: «هذا الحرام الذي لا يصلح، انطلق فاردده على صاحبه، وأمره ألا يبيع هكذا ولا يبتاع»، ثم قال رسول الله ÷: «الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، والبر بالبر مثلاً بمثل، والشعير بالشعير مثلاً بمثل، والذرة بالذرة مثلاً بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى»(١).
  فدلت هذه الأخبار على تحريم التفاضل والنسأ بين هذه الأجناس إذا كان الجنس بجنسه، وعلى تحريم النسأ وإباحة الزيادة إذا اختلف الجنسان مع الاتفاق في المعنى المضموم إليه.
  وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: لا ربا إلا في النسيئة، ويرويه عن أسامة عن النبي ÷، فكان يجيز الذهب بالذهب متفاضلاً يداً بيد، وقد روي عن عدة من الصحابة أن ابن عباس كان قد رجع عن(٢) هذا القول، والإجماع المنعقد على خلاف ذلك يبطل قوله.
  ويجوز أن يكون مراد النبي ÷ في ذلك إذا اختلف الجنسان؛ ليكون موافقاً لما تواتر عنه ÷ في ذلك ولما أجمعت الأمة عليه؛ إذ لا خلاف بينها في هذه الأجناس المنصوص عليه، واختلفوا فيما عداها، فذهب كثير من نفاة القياس إلى أنه لا ربا فيما عداها، وأجمع القائسون على خلاف ذلك، وفيمن نفى القياس من لا يخالفنا في ذلك، وهم الإمامية، ويرجعون فيه إلى الظواهر الواردة في هذا الباب، كالنهي عن الصاع بالصاعين.
  ويبطل قولهم من وجهين: أحدهما: هذه الظواهر. والثاني: إثبات(٣) القول بالقياس.
(١) مجموع الإمام زيد بن علي @ (١٧٩، ١٨٠).
(٢) في (أ، ب، ج): من. وظنن في (ب) بـ: عن.
(٣) في (ب): بإثبات.