شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب البيوع

صفحة 118 - الجزء 4

  والثاني: أنا لا نصحح الهبة إلا بالقبول، فنجعل بدل قولهم: «التسليم» القبول، كأن ذلك قبل القبول، فيستمر⁣(⁣١) التأويلان، والله أعلم.

  فإن قيل: لما روي أن النبي ÷: نهى عن بيع المزابنة ورخص في العرايا وجب أن يكون ذلك⁣(⁣٢) مستثنى من جملة البيع.

  قيل له: لا يجب ذلك؛ لأن كل واحد من اللفظين يستقل بنفسه، فلا يجب أن يجري مجرى الاستثناء؛ ويجوز أن يكون بعض الرواة تأول ذلك على ما قاله الشافعي فاستثنى ذلك من عند نفسه.

  فإن قيل: فما فائدة ذكر الأوساق على التأويلين الآخرين⁣(⁣٣)؟

  قيل له: يجوز أن تكون تلك الرخصة اتفقت فيما دون خمسة أوسق، فروى أبو هريرة على ما شاهد، لا لأن للأوساق فيه تأثيراً.

  على أن حمل الخبر على ما قلناه أولى؛ لأن سائر الأخبار تعضده، والقياسات تؤكده، والأصول تشهد له؛ لأن شيئاً من المكيل ولا الموزون عندنا، ولا المكيل⁣(⁣٤) عند الشافعي لا يجوز بيع بعضه ببعض خرصاً، بل لا يجوز إلا مع العلم بالمساواة، ويوكد ذلك ما روي: «خففوا الخرص؛ فإن في المال العرية والوصية»⁣(⁣٥)، وقد علمنا أن المراد به ليس هو البيع؛ لأن التخفيف لا يجب من أجل البيع.

  فإن قيل: فقد روي أنه رخص في بيع العرايا، وشيء مما ذكرتموه ليس ببيع.

  قيل له: لا يمتنع أن يجري عليه اسم البيع، كما قال الله تعالى: {۞إِنَّ اَ۬للَّهَ


(١) ظنن في (هـ) بـ: فيستقيم.

(٢) أي: العرايا.

(٣) في (هـ): الأخيرين.

(٤) في (هـ): لأن شيئاً من المكيل أو الموزون عندنا أو المكيل عند الشافعي.

(٥) أخرج نحوه ابن أبي شيبة في المصنف (٢/ ٤١٥).