كتاب البيوع
  قيل له: الصاع ليس بدين؛ لأنه يرده مع الشاة، فكيف يكون ديناً؟ وهذا أبعد مما تقدم.
  وقال أبو بكر الجصاص(١): يحتمل أن يكون المراد بذلك بيع(٢) فاسد، فأمر النبي ÷ برد عوض اللبن.
  قيل له: كيف يصح هذا التأويل وفي الخبر أنه بخير النظرين: إن شاء رضيها، وفي بعض الأخبار: «إن شاء أمسكها»؟
  فأما ما ذهب إليه أبو يوسف والشافعي: أنه يردها ويرد صاعاً من تمر فالأخبار الواردة تدل على خلاف ذلك، بل تدل أن قصد النبي ÷ كان رد العوض؛ لأنهم كانوا بذلك يتعاملون ويتبايعون لعوز الدراهم وقلتها، فكأن النبي ÷ أشار إلى ما هو عوض للبن(٣)؛ ألا ترى أن(٤) في بعض الأخبار: «إناء من طعام»، وفي بعضها: «صاع من تمر»، وفي بعضها: «صاع من بر»، وفي بعضها: «مثلي لبنها من قمح»؟
  وهذه الأخبار متى حملت على ما قلناه كانت محمولة على موافقة الأصول؛ لأن الأصول توجب ألا يضمن الإنسان إلا مقدار ما يستهلك من مال الغير، ومتى حملت على ما قالوه كانت محمولة على أن اللبن الذي يساوي صيعاناً عدة من التمر إذا ضمنه ضمن عنه صاعاً من تمر، وإلى أن يكون الذي لا يساوي مع الشاة التي حلب منها صاعاً من تمر يضمن المشتري عنه صاعاً من تمر، فوضح أن الصحيح ما ذهبنا إليه.
  وليس لأصحاب أبي حنيفة أن يستدلوا بقوله ÷: «الخراج بالضمان»
(١) شرح مختصر الطحاوي (٣/ ٦٦).
(٢) كذا في المخطوطات.
(٣) في (ب): اللبن.
(٤) «ألا ترى أن» ساقط من (أ، ج). و «أن» ساقط من (د).