كتاب البيوع
  أجمعوا عليه من أنه لو أسلم في ملء إناء معين مجهول القدر كان السلم فاسداً، والعلة فيه جواز أن ينكسر الإناء فيصير السلم مجهولاً، فكذلك الثمن المعجل إذا كان جزافاً يجب أن يفسد عقد السلم؛ لجواز أن يعرض ما يوجب فساد السلم فيصير الثمن مجهولاً.
  قيل له: إن الذي ذكرتم يجب في المسلم فيه دون الثمن؛ لأنه الذي يجب تأجيله وثبوته في الذمة بعقد البيع، وقد قلنا: إن ما كان كذلك فلا يجوز كونه جزافاً، وهذا غير حاصل في الثمن المعجل، يكشف ذلك أن النبي ÷ شدد أمر المسلم فيه فقال(١): «فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم»، ولم يأمر بذلك في الثمن المعجل.
  فإن راموا تقوية كلامهم بأن قالوا: قد ثبت أنه يجوز أن يباع عبد بملء إناء مجهول القدر من البر، وكذلك(٢) بملء سُكُرَّجَة(٣) مجهولة القدر من الدراهم، وكذلك يجوز أن يشترى ملء إناء مجهول القدر(٤) بمال موزون من الدراهم، فاستوى في جواز ذلك الثمن والمبيع، فبان أن فساد عقد السلم إذا كان المسلم ملء إناءٍ مجهول القدر إنما كان لأنه عقد السلم، فوجب أن يستوي فيه الثمن(٥) والمسلم فيه.
  قيل له: ليس الأمر على ما ظننتم، وذلك أن الثمن لو كان مؤجلاً في بيع العين لم يجز أن يكون ملء إناء مجهول، إنما يجوز ذلك إذا كان الجميع من الثمن والمبيع معجلين؛ فبان أن العلة هي ما ذكرناه من أن ما يثبت في الذمة بعقد البيع لا يجوز أن يكون جزافاً.
(١) في (ب، د): أن النبي ÷ قاله تشدداً من المسلم فيه فقال.
(٢) في (أ، ب، ج، هـ): فكذلك.
(٣) هي بضم السين والكاف والراء والتشديد: إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم، وهي فارسية. (نهاية).
(٤) «القدر» ساقط من (ب، د).
(٥) في (ب، د): السلم.