كتاب البيوع
  فإن قيل: فإنا نجوز ذلك في ثمن المبيع المعين وإن كان مؤجلاً وارتكبوا ذلك - لم يضرنا؛ لأنا إذا لم نسلم ذلك لهم لم يتم كلامهم بارتكابهم ما ارتكبوا، فوضح بذلك سقوط كلامهم. على أن رأس المال إذا كان عرضا يعترض هذا أيضاً.
  وأما اشتراط المكان الذي يستوفى فيه السلم فقد اختلف فيه على ثلاثة أوجه:
  قال أبو حنيفة: يجب اشتراطه إذا كان المسلم فيه(١) مما له حمل ومؤنة، فإن لم يكن له حمل ومؤنة لم يجب اشتراطه.
  وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجب اشتراط المكان سواء كان السلم له حمل ومؤنة أو لم يكن، ويجب أن يستوفى حيث يعقد السلم.
  والأظهر عن زفر والثوري والشافعي أنه لا بد من اشتراط المكان على الوجهين جميعاً، وعلى هذا مذهب يحيى، وهو الظاهر من قول زيد بن علي @؛ لأنهما قالا: لا بد من اشتراط المكان، ولم يفصلا بين ما له حمل ومؤنة وما ليس له ذلك.
  والأصل فيه: أنه لا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة وأصحابه أن الأجل يجب تعيينه واشتراطه، فكذلك المكان، والعلة أن كل واحد منهما توجب جهالته فساد السلم؛ لأنه لو قال: «أوفيك متى شئت» واشترط ذلك فسد السلم، فكذلك(٢) إذا قال: «أوفيكه حيث شئت» واشترطا ذلك بطل السلم، وكذلك إن لم يتعين المكان يجب أن يفسد كما يفسد إذا لم يتعين الزمان. ويمكن أن يرد ذلك إلى الكيل والوزن في أنه لا بد فيهما من الحصر بعلة أنه مسلم فيه. فأما ما ليس له حمل ومؤنة فإنه يرد إلى ما له حمل ومؤتة مع أبي حنيفة، بعلة أن قيمته تختلف بحسب اختلاف الأماكن، فوجب أن يشترط له المكان كما يشترط لما له
(١) في (أ، ب، ج، د): إذا كان السلم مما له حمل.
(٢) في (أ، ج): وكذلك.