كتاب الطهارة
  وقد ادعي الاضطراب في هذه الأحاديث؛ لأن عبدالله بن عكيم مرة يقول: قرئ علينا كتاب رسول الله ÷ ومرة يقول: حدثني أشياخ جهينة، يقولون: ورد علينا كتاب رسول الله ÷ بذلك.
  و [يحتمل أن] يكون قد قرئ عليه الكتاب أيضاً فلا يمتنع اجتماع الأمرين جميعاً، وإذا لم يمتنع ذلك لم يمتنع أن يروي أحدهما مرة والثاني الأخرى، وليس في هذا تدافع ولا تمانع.
  فإن قيل: قول النبي ÷: «لا تنتفعوا من الميتة بشيء» ورد في شحوم الميتة، بدلالة: ما روى أبو الزبير، عن جابر بن عبدالله، قال: بينا أنا عند رسول الله ÷ إذ جاءه أناس فقالوا: يا رسول الله، إن سفينة لنا انكسرت، وإنا وجدنا ناقة ميتة سمينة، فأردنا أن ندهن بها سفينتنا، وإنما هي عود على الماء، فقال رسول الله ÷: «لا تنتفعوا من الميتة بشيء»(١).
  قيل له: قد روينا هذا الخبر على ما قدمنا ذكره مطلقاً من غير ذكر السبب.
  وأيضاً فإنه لا يجب قصره على السبب وإن لم يرو غيره، بل يجب حمله على مقتضى اللفظ، فلا معنى للاشتغال بما ذكروه.
  فإن قيل: اسم الإهاب لا يتناوله بعد الدبغ(٢) كان ذلك ساقطاً؛ لأن الإهاب اسم للجلد ينطلق عليه قبل الدبغ وبعده.
  فإن ادعوا تخصيص هذه الأحاديث بما روى عطاء عن ابن عباس: أن شاة لميمونة ماتت، فقال النبي ÷: «هلا انتفعتم بإهابها؟» فقالوا: إنها ميتة، ففي بعض الأخبار: «دباغ الأديم طهوره»(٣)، وفي بعضها: «يطهرها الماء
(١) شرح معاني الآثار (١/ ٤٦٨)، وفيه: ناقة سمينة ميتة، وفيه: لا تنتفعوا بشيء من الميتة.
(٢) في مختار الصحاح: الإهاب: الجلد ما لم يدبغ. وفي القاموس: الإهاب ككتاب: الجلد، أو ما لم يدبغ. وفي لسان العرب: الإهاب: الجلد من الغنم والبقر والوحش ما لم يدبغ.
(٣) أخرجه أحمد في المسند (٥/ ٤٦٤).