باب القول في المياه
مسألة: [في أن النجاسة لا تزال بشيء من المائعات سوى الماء]
  ولا يزال النجس عن الثياب والبدن بشيء من المائعات سوى الماء.
  وهذا قد أشار إليه يحيى # في كتاب الطهارة من الأحكام، حيث يقول: «ألا ترى أن الطهر لا يقع اسمه على شيء حتى يطهر؟ وتطهيره غسله وإنقاؤه بالماء»(١).
  والذي يدل على ذلك: أن التطهير أمر شرعي لا يمكن إثباته إلا شرعاً، وقد وردت الشريعة بكون الماء مطهراً، ولم ترد بكون غيره مطهراً، فلم يجز التطهر بغيره.
  فإن قيل: قول الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ ٤}[المدثر] يدل على ذلك؛ لأن عمومه يقتضي الأمر بالتطهير بجميع المائعات.
  قيل له: هذه الآية اقتضت وجوب التطهير لا بيان ما يقع به التطهير، وعندنا أن الذي يقع بالمائعات سوى الماء لا يكون تطهيراً.
  فإن قيل: إن الغرض هو إزالة النجس، فإذا زال بما زال يجب أن يعود الشيء إلى أصل الطهارة.
  قيل له: ليس الأمر على ما ذكرت، بل يجب إزالة النجس بما يوجبه الشرع، ألا ترى أن الثوب إذا أصابه البول ثم وقعت عليه الشمس حتى تنشف البول وتزيله لم يطهر الثوب؟ على أنا لا نسلم أن سائر المائعات تزيل النجس، لأن المائع ينجس بملاقاة النجس، فلا يزال الشيء نجساً، وليس كذلك الماء؛ لأن الشرع قد حكم بأن الماء إذا استعمل على الوجه الذي أمر(٢) باستعماله طهر النجس وأزال نجاسته، على أنه لولا الشرع لم يكن لأحد أن يقول: إن الماء يطهر كما ذكرناه في المائعات من أنها تنجس بملاقاة النجس.
  وليس لأحد أن يقول: إن المشاهدة تقضي بزوال النجاسة؛ لأن النجاسة لا يحكم بزوالها بألا تشاهد، فلا معنى له.
(١) الأحكام (١/ ٨٥).
(٢) في (أ): أمرنا.