شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في العارية

صفحة 510 - الجزء 4

  قال أبو حنيفة وأصحابه: هي غير مضمونة إلا بالتعدي.

  وقال الشافعي: هي مضمونة على كل وجه.

  والأصل عندنا على ما بيناه في العارية⁣(⁣١) أنها غير مضمونة إلا بالتعدي، وذلك أن صاحبها سلمها إلى المستعير ليستوفي منافعها، فأشبه الشيء المستأجر أنه لما سلمه صاحبه لاستيفاء منافعه لم يضمنه.

  فإن قاسوه على القرض بعلة أنه أخذه لمنفعة نفسه .... (⁣٢)، على أن القرض يصير ملكاً للمستقرض ويستحق العوض عليه، فضمانه لهذا المعنى دون ما سواه. وأيضاً من استعار ثوباً للبس فبلي لا خلاف أنه لا يضمن المستعير البلى، فكذلك إذا لم يتعد في الأصل كما لم يتعد في البلى، بدلالة أنه لو تعدى في البلى ضمن.

  وإنما قلنا: إنها تضمن إذا اشترط الضمان للأثر، وهو ما روي أن رسول الله ÷ استعار من صفوان فقال صفوان: أعارية أم غصباً؟ فقال ÷: «بل عارية مضمونة»⁣(⁣٣)، فاشترط ضمانها، فلولا أن اشتراط الضمان يوجب الضمان لم يشترطه؛ لأنه يكون كالتغرير.

  فإن قيل: فقد روي: «العارية مضمونة».

  قيل له: هذه اللفظة ليست بتلك المشهورة، وإن ثبتت حملت على أنها إشارة إلى دروع صفوان وأنها معهودة، والألف واللام يدلان على الجنس إذا لم يكونا للعهد.

  فإن قيل: يحتمل أن يكون المراد به مضمونة الأداء.

  قيل له: هذا خلاف الظاهر، ثم لم يكن لهذا القول فائدة؛ لأن الأداء كان قد علم بقوله ÷: «عارية»؛ إذ هو الفصل بينها وبين الغصب، فلم يكن لقوله ÷: «مضمونة» معنى إلا اشتراط الضمان.


(١) كذا في المخطوطات.

(٢) بياض. (من ب، د).

(٣) أخرجه أبو داود (٢/ ٥٠٢).