شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الاستنجاء

صفحة 238 - الجزء 1

مسألة: [في كيفية الاستنجاء وفي نجاسة الماء إذا ورد على النجاسة أو وردت عليه]

  قال: ويبدأ بفرجه الأعلى فينقيه، ثم بفرجه الأسفل.

  وهذا قد نص عليه الهادي # في الأحكام والمنتخب جميعاً⁣(⁣١).

  وهذا يدل من قوله على أنه لا يفصل بين ورود الماء على النجاسة وورود النجاسة على الماء في أن الماء ينجس؛ لأنه إذا كان كذلك يكون الوجه فيه أنه منع من الابتداء بالفرج الأسفل لأنه لو ابتدأ به لكان الماء يلقى الفرج الأعلى وهو نجس ثم ينزل إلى الفرج الأسفل وقد صار نجساً، فلا يطهره، وإذا غسل الفرج الاعلى أولاً كان ما ينحدر عنه من الماء طاهراً، وطهر به الفرج الأسفل.

  ومذهب الشافعي أن الماء لا ينجس إذا ورد على النجاسة، وينجس إذا وردت النجاسة عليه، وهذا لا معنى له؛ لأن أكثر ما استدللنا به على أن الماء اليسير ينجس بوقوع النجاسة فيه يقتضي نجاسة الماء إذا ورد على النجاسة، مثل استدلالنا بقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ}⁣[الأعراف: ١٥٧]، واستدلالنا بأن الماء اليسير إذا حصلت فيه النجاسة ثم شرب أو تطهر به صار النجس مشروباً ومتطهراً به، وغير ذلك، فكل ذلك يبين أنه لا فصل بين ورود النجاسة على الماء وورود الماء على النجاسة.

  فإن قيل: لو كان الماء ينجس بوروده على النجاسة لكان يجب لوروده على⁣(⁣٢) ألا يطهر النجس أبداً؛ لأنه كان ينجس الماء الوارد على النجاسة، ثم كان الماء الثاني ينجس كالماء⁣(⁣٣) الأول، ثم كذلك أبداً.

  قيل له: ليس الأمر على ما قدرت، وذلك أن النجاسة والطهارة أمور شرعية، فيجب أن تكون أحكامها بحسب ما تقتضيه الشريعة، وليست أموراً عقلية فيرجع فيها إلى مقتضى العقل، وإذا كان ذلك كذلك فغير ممتنع أن يرد الشرع بأن


(١) الأحكام (١/ ٥٨، ٥٩)، والمنتخب (٥٨).

(٢) كذا في المخطوطات.

(٣) في (أ): الماء. وفي نسخة في (ب): بالماء.