شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب العتق

صفحة 46 - الجزء 5

  فرب فقيه أو عدل أو قاضٍ يعمر سبعين سنة ولا يكون رأى بعينه مكاتباً واحداً، ولا شهد على كتابة، ولا أفتى فيها⁣(⁣١)، ولا حكم فيها.

  فإن قيل: الاسم يدل عليه.

  قيل له: لا خلاف أن الكتاب لا يجب فيه، وإنما هو اسم موضوع لهذا الأمر المخصوص، كما أن الدابة اسم للبهيمة المخصوصة، وكما أن الغائط اسم لقضاء الحاجة، والعذرة اسم للنجاسة.

  فإن قيل: في الكتابة الحالة تضييق على العبد، وموضوع الكتابة توفير حظ العبد والنظر له.

  قيل له: هو أبصر بأمر نفسه، فربما يعلم أنه يمكنه أن يستقرض، أو يستوهب، أو يؤاجر نفسه مدة طويلة، وهو يجوز أن يكاتب قبل غروب الشمس على نجمين أحدهما إذا غابت الشمس، والثاني إذا غابت الحمرة من الشفق.

  فإن قيل: لا يمكنه الأداء حالاً.

  قيل له: يمكنه بالوجوه التي ذكرناها. على أن ذلك [يكون]⁣(⁣٢) كمبايعة المعدم بثمن معجل، فيجب أن يجوز؛ لأنه يتمحل كما يتمحل المعدم.

  ولأنه عقدٌ يتعلق به العتاق فجاز معجلاً ومؤجلاً كالعتق على مال. ولأنه عقد لا يجب التعجيل في ثمنه، فيجب ألا يكون التأجيل شرطاً في تمامه؛ دليله عقود البياعات. وأيضاً هو عقد يتناول رقبة العبد بمال يثبت في الذمة، فوجب أن يكون معجلاً ومؤجلاً كبيع العبد من الأجنبي.

  وقوله: «يتراضيان على شيء معروف يدفعه إلاه» يدل على أنه يجوز الكتابة بالورق والعين وغيرهما من العروض والحيوان بعد أن يكون معلوماً، وهو صحيح؛ لقول الله ø: {فَكَاتِبُوهُمْ} ولم يقل: على ماذا، فصحت


(١) في (هـ): بها.

(٢) ما بين المعقوفين من (ب، د).