كتاب الطهارة
  يكون من خرج عن الإخلاص مشركاً؛ لأن الشيء لا يمتنع أن يكون له أضداد كثيرة، فإذا خرج عن بعضها لا يجب أن يحصل على سائرها؛ ألا ترى أن حركة الإنسان إلى جهة يمينه تضاد حركته إلى جهة يساره، وكذلك تضاد حركة أمامه وحركة خلفه وحركة فوقه وحركة تحته، وإذا خرج عن أن يتحرك إلى ذات اليمين فلا يجب أن يحصل متحركاً إلى جميع تلك الجهات؟ وهذا وضوحه يغني عن تكثير ضرب أمثاله، فعلى هذا لا يمتنع أن يخرج الإنسان عن كونه متطهراً على وجه الإخلاص إلى كونه متطهراً على وجه العبث وإلى وجه التبرد وغيرهما وإن لم يكن متطهراً على وجه الإشراك؛ لأن المتطهر يكون متطهراً على وجه الإشراك إذا قصد به العبادة لغير الله.
  فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ}، والوضوء ليس من الدين؛ لأنه ليس بفرض في نفسه.
  قيل له: هذا خطأ، وذلك أن الوضوء فرض في نفسه وإن كان فرضاً يتعلق بغيره، على أن صريح قول النبي ÷ قد أسقط هذا السؤال، وهو قوله: «الوضوء شطر الإيمان»(١).
  ويدل على ذلك: الخبر المشهور عن النبي ÷: «الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى»(٢)، فحقق أنه يكون للمرء ما نواه دون ما عداه، فمن لم ينو فلا وضوء له.
  ويدل على ذلك: ما أخبرنا به أبو العباس الحسني، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الجريري، قال: حدثنا جعفر [بن طرخان، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن جعفر](٣) بن محمد، عن أبيه، عن علي
(١) أخرجه الإمام المرشد بالله في الأمالي (١/ ١٢) والبخاري (١/ ٤) وأبو داود (٢/ ٢٣٠).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ما بين المعقوفين من الكاشف المفيد للسيد العلامة محمد بن حسن العجري ¦.