باب القول فيما يوجب الكفارة
  فليأته فإنه كفارته»(١).
  قيل له: معناه كفارته في الإثم؛ لئلا يسقط الخبر الذي ذكرناه، ولئلا تسقط دلالة الآية. على أن خبرنا أولى؛ لأنه يحظر ترك الكفارة، وخبرهم يبيح تركها، والحاظر(٢) أولى من المبيح. وهو قياس على غيرها من الأيمان؛ بعلة أنها يمين على أمرٍ مستقبل، فمتى وقع الحنث فيها لزمت الكفارة.
  وهذان الخبران يدلان على ما ذكرناه من أن الحنث فيما ذكرناه أولى، وقد دل على ذلك قول الله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُواْ اُ۬لْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ ...} الآية [النور: ٢٢] وروي أنها نزلت في أبي بكر، وكان حلف ألا يبر مسطحاً بشيء من إحسانه لما روي عنه في باب الإفك في حديث عائشة، فنهاه الله ø عن الاستمرار على ما حلف عليه من ترك الإحسان إلى مسطح بقوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُواْ اُ۬لْفَضْلِ مِنكُمْ} إلى آخر الآية، وأيضاً ما ذكرناه من ذلك إجماع لا خلاف فيه.
مسألة: [في أن الأيمان ثلاث: لغو وغموس ومعقودة وما يجب فيه الكفارة منها]
  قال: ولو أن رجلاً حلف على أمر ماضٍ كاذباً وهو لا يعلم أنه كاذب، بل يظن أنه صادق - فلا كفارة عليه، ولا إثم، ويمينه لغو، وإن حلف عليه وهو يعلم أنه كاذب فهو آثم، ولا كفارة عليه، ويمينه غموس، وعليه التوبة والاستغفار، وإن حلف على أمر مستقبل فحنث لزمته الكفارة، ويمينه معقودة(٣).
  وهذه الجملة هي قول زيد بن علي والقاسم @، وبها قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو الذي حصله الناصر من مذهب نفسه، وحكي عن مالك.
(١) أخرجه في أمالي أحمد بن عيسى (٤/ ٢٤٢).
(٢) في (أ، ب، ج، هـ): فالحاظر.
(٣) الأحكام (٢/ ١٢٣، ١٢٤) والمنتخب (٣١٦).