باب القول فيما يوجب الكفارة
  قال الشافعي: في الغموس الكفارة، وحكي عنه في اللغو أنه على قولين.
  قال يحيى # في الأحكام(١): الأيمان ثلاث: فمنهن اللغو، وكسب القلب، وما عقدت عليه الأيمان، ثم فسر ذلك على ما بيناه.
  والأصل فيه قول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اُ۬للَّهُ بِاللَّغْوِ فِے أَيْمَٰنِكُمْ ...} الآية [المائدة: ٩١] فبين ø أن الأيمان ثلاث، فمنها اللغو التي وعد ø ألا يؤاخذنا بها، ومنها ما يؤاخذنا بما كسبت قلوبنا من القصد إلى الكذب على وجه التعمد، ولم يوجب فيها الكفارة، ومنها اليمين المعقودة التي أوجب فيها الكفارة، وهذا صريح ما ذهبنا إليه.
  والذي يدل على أن الغموس لا كفارة فيها قوله تعالى: {ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيْمَٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْۖ وَاحْفَظُواْ أَيْمَٰنَكُمْۖ}[المائدة: ٩١] فعلق الكفارة على الأيمان التي أمرنا بحفظها، ولا يصح الحفظ في الغموس؛ لأنها تقع والحالف حانث.
  فإن قيل: يصح الحفظ في اليمين بتركها.
  قيل له: هذا لا معنى له عند التحقيق؛ لأن الإنسان يحفظ الشيء مع حصوله قبل ضياعه، فأما قبل حصوله أو بعد ضياعه فلا معنى للحفظ، هذا هو المعروف من الحفظ. وأيضاً قد ثبت أنا لا نؤاخذ على اللغو في الماضي بنص الآية، فدل ذلك على ألا كفارة فيها، فكذلك الغموس؛ لأنهما جميعاً على أمر ماض. على أن سقوط الكفارة عن اللغو الماضي لا يخلو من أن يكون لسقوط المآثم أو لأنها على أمر ماض، ولا يجوز أن يكون لسقوط المآثم؛ لأن اليمين على المستقبل لا تسقط عنها الكفارة [فيما يأثم فيها وما لا يأثم، بل سقوط الإثم وثبوته لا يغيران حكم الكفارة](٢)، فثبت أن الكفارة سقطت عنها لأنها على أمر ماض، فوجب أن تكون الغموس كذلك.
(١) الأحكام (٢/ ١٢٤).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).