باب القول في كفارة اليمين
مسألة: [في أن المكفر مخير في خصال الكفارة الثلاث وبيان أفضلها وحكم من لم يجد أحدها]
  والمكفر بالخيار بين هذه الكفارات الثلاث يفعل أيها شاء، والكسوة أفضل من الإطعام، والعتق أفضل من الكسوة. فمن لم يجد شيئاً من ذلك فعليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعات لا يفرق بينهن(١).
  وهذه الجملة لا خلاف فيها إلا في موضع واحد، وهو التتابع في الصيام، فإن الشافعي جوزه غير متتابع في أحد قوليه، وقال أبو حنيفة: لا بد من التتابع مثل قولنا، وهو قول زيد بن علي @.
  والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَكَفَّٰرَتُهُۥ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ ...} الآية [المائدة: ٨٩] ففصل بين الكفارات الثلاث بأو، وأو في الأمر موضوع عند العرب للتخيير، لا خلاف فيه بينهم ولا إشكال، فدل ذلك على أن المكفر فيها بالخيار.
  وأما الصيام فلا يجوز إلا مع ضرورة الفقر؛ لأنه ø قال: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۖ}[المائدة: ٨٩].
  وقلنا: إن العتق أفضلها لأنه أعلاها، ثم الكسوة لأنها دونه، ثم الإطعام لأنه دونها، وجميع ذلك لا خلاف فيه.
  فأما تتابع الصوم فالأصل فيه قراءة عبدالله: «فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات»، وقد قيل: إن قراءته كانت مشهورة مستفيضة في تلك الأيام، وهذه القراءة وإن كانت لم تبلغ شهرتها واستفاضتها ما يجعلها تلاوة وزيادة في القرآن فإنها تجري مجرى خبر الواحد، وتوجب العمل وإن لم توجب العلم، فيجب الانتهاء إلى العمل بموجبها.
  ومن طريق النظر: هو صوم كفارة فيها عتق فأشبه صوم الظهار في وجوب
(١) الأحكام (٢/ ١٢٥)، والمنتخب (٣١٨).