شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحدود

صفحة 174 - الجزء 5

  وأما الإحراق فيجوز أن يكون أراد به بعد القتل في حديث أبي بكر وما كتب إليه خالد؛ إذ فسر ذلك في حديث عمر حين استشاره فيه، ووجهه: أن الفاسق قد ثبت عندنا أنه لا يصلى عليه ولا يغسل، وإنما يوارى جسمه، فكان للإمام أن يحرقه إذا رأى أنه أردع للناس وأزجر؛ لأنه لم يلزم فيه الغسل والتكفين والصلاة، فأشبه جثة البهيمة، هذا إذا كان قتل وهو على غير التوبة، وإن كان قتل تائباً لم يجز ذلك، ووجب غسله ودفنه والصلاة عليه.

  ويدل على ما ذهبنا إليه من أن الرجم هو الأولى: أنا وجدنا القتل في الشرع على ضربين: قتل بالسيف، وهو قتل المرتد، والمقتص منه، وقاطع الطريق، وقتل هو الرجم، وهو قتل من زنى محصناً، ووجدنا فعل الذكرين إذا أتى أحدهما صاحبه من جنس الزنا، أو هو الزنا بعينه، فكان الأولى أن يكون القتل المستحق عليه رجماً، سيما وقد نقل عن علي # وثبت عنه، فصح بهذه الجملة ما ذهبنا إليه، وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحد قولي الشافعي، وحكاه أبو بكر الجصاص⁣(⁣١) عن الحسن بن صالح، قال: وروي مثله عن الحسن وعطاء، وبطل ما ذهب إليه أبو حنيفة؛ لإجماع الصحابة على خلافه، قال: أبو بكر: هو قول إبراهيم والحكم. وكذلك ما ذهب إليه القاسم من إيجاب الرجم على كل حال؛ لأنا قد بينا أنه لا وجه له، ولا يصح؛ لاختلاف الصحابة فيه، مع أنه لا دليل عليه، قال أبو بكر: وهو قول مالك والليث. وبه قال الناصر #.

  ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه: أنه وطء في فرج له حرمة ويتعلق به الغسل، فأشبه وطء المرأة في قبلها، فوجب أن يجري على فاعله حكمه محصناً أو غير محصن. ويدل على ذلك قول الله ø: {وَالذِينَ يَرْمُونَ اَ۬لْمُحْصَنَٰتِ}⁣[النور: ٤] ولم يفصل بين أن يكون الزنا في القبل أو الدبر، فصار الحكم عاماً، فإذا


(١) شرح مختصر الطحاوي (٦/ ١٧٤).