كتاب الحدود
  وعن ابن شداد عن أبي ذر قال: كنا مع رسول الله ÷ في سفر فأتاه رجل فأقر عنده بالزنا، فرده أربعاً، ثم نزل فأمرنا فحفرنا له حفرة ليست بالطويلة، فأمر به فرجم.
  وروي عن الشعبي [عن عبدالرحمن بن أبزى](١) عن أبي بكر أن رسول الله ÷ رد ماعزاً أربع مرات(٢)، وروي نحوه عن أبي هريرة(٣). فدل ظاهر هذه الأخبار على أن الحد وجب بعد الرابع.
  فإن قيل: إنما كان الترديد لأنه ÷ استراب بعقله، ولم يصرح بالزنا، وروي أنه جاء حاسر الرأس محمر العينين.
  قيل له: كل ذلك كان ممكناً في دفعة واحدة لولا أن الحد وجب بعد الرابع.
  على أن علياً # ذكر أن رجلاً من أسلم جاء إلى النبي ÷ فشهد على نفسه بالزنا [فردده النبي ÷ أربع مرات]، وفيما روي عن ابن عباس أنه ÷ قال: «شهدت على نفسك أربع مرات» فدل ذلك على أن إقراره كان قد صح في كل مرة، فلو كان الحد يجب بإقراره مرة واحدة لم يجز أن يردده، ألا ترى إلى ما روي عنه أنه قال: «ما ينبغي لوالٍ أن يؤتى بحد إلا أقامه» وقال ÷: «تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد وجب»؟
  ويدل على ذلك: ما روي أن أبا بكر قال له: إنك إن اعترفت الرابعة رجمك رسول الله ÷(٤). وروي عن بريدة: إنا كنا نتحدث أصحاب رسول الله ÷ أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما، وإنما
(١) ما بين المعقوفين من شرح معاني الآثار وغيره.
(٢) أخرجه أحمد في المسند (١/ ٢١٤) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٣/ ١٤١).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٥/ ٥٣٨) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٣/ ١٤٣).
(٤) أخرجه أحمد في المسند (١/ ٢١٤).