كتاب الحدود
  منفصل عن الجملة الأولى حكماً ولفظاً، ألا ترى أنه يقتضي نفي ما ثبت بالجملة الأولى، وما ذهبنا إليه هو أن الاستثناء إذا جاز رجوعه إلى جملة(١) مسميات(٢)، ولم يكن رجوعه إلى بعضها أولى من رجوعه إلى سائرها - فيجب أن يرجع إلى الجميع، وشبهنا بها الشرط(٣)، ولو كان ما ذكرتم في الشرط أيضاً لكان كذلك وإن كان من حكم الشرط أن يرجع إلى الجميع، ألا ترى أن قائلاً لو قال: «علي صدقة درهم وصيام يوم إن دخلت الدار إذا جاء المطر» فالشرط الثاني يرجع إلى الشرط الأول دون المشروط؛ لأن الشرط منفصل عن المشروط لفظاً وحكماً؟ فكذلك الاستثناء.
  فإن قيل: روي عن النبي ÷: «لا تجوز في الإسلام شهادة مجرب عليه شهادة الزور، ولا شهادة مجلود حداً، ولا ذي غِمْرٍ(٤) على أخيه»(٥).
  قيل له: المراد قبل التوبة، ألا ترى أن ذا الغمر على أخيه إذا ظهرت توبته قبلت شهادته، وكذلك المجرب عليه شهادة زور؟ وكذلك المجلود حداً. على أن من مذهب أبي حنيفة أن المجلود حداً تقبل شهادته إلا في القذف، ويشرط أن يكون جلد في حال الإسلام، فلنا أيضاً أن نتأوله على ما دلت الدلالة عليه. وروى سعيد بن المسيب عن عمر أنه قال لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك(٦)، ولم ينكر ذلك أحد عليه. على أن جميع ما تعلقوا به ينقض بقولهم: إن الذمي إذا حد في القذف ثم أسلم قبلت شهادته، ويمكن أن يجعل ذلك أصلاً
(١) في (هـ): جمل.
(٢) في (أ، ج): مسماة.
(٣) ظنن في هامش (د) بـ: شبهناها بالشرط.
(٤) أي: حقد وضِغْن. (نهاية ٣/ ٣٨٤).
(٥) أخرجه الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (٦/ ٢٢١) وأخرج نحوه الترمذي (٤/ ١٢٠) والبيهقي في السنن الكبرى (١/ ٢٦١).
(٦) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٢٥٦).