شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحدود

صفحة 216 - الجزء 5

  وإنما لا يطلق عليه اسم العدالة لأن العدالة التامة تكون من جهة الاعتقاد ومن جهة الفعل، فنقول: إنه عدل من جهة الاعتقاد كما نقول في الذمي: هو عدل من جهة الأفعال، يكشف ذلك أن المحدود في القذف عدل في اعتقاده؛ لأن كل ما يتعلق بالاعتقاد فهو والعدل سواء، كمناكحته، وأكل ذبيحته، وإجزاء صلاته وصيامه وزكاته وحجه، إلى غير ذلك مما يكثر عده، فبان أن عدالته من جهة الدين ثابتة، فإذا وافقتمونا على أن توبته تعيد إليه عدالته من جهة الفعل فقد صار عدلاً مطلقاً، فيجب أن يصح قبول شهادته، يكشف ذلك أن العدالة ليست غير صحة الاعتقاد، فإذا كان الإنسان صحيح الاعتقاد فيجب أن يكون عدلاً في اعتقاده، كما أنه إذا كان صحيح الأفعال كان عدلاً في أفعاله.

  على أن الجلد لو أسقط عدالة الدين لكان الواجب على ما أصلتموه أن يكون كل من فسق لا تقبل شهادته أبداً، أيَّ فسق كان؛ لأن فسقه عندكم يكون قد أزال عدالة دينه وفعله، وتوبته إنما تحصل عندكم عدالة فعله دون عدالة دينه، وهذا ظاهر البطلان.

  فإن قيل: رد الشهادة لا يتعلق بالقذف، بل يتعلق بالجلد؛ لأن القاذف يحتمل أن يكون صادقاً ويحتمل أن يكون كاذباً.

  قيل له: فمن أقيم عليه الشهادة أنه زنى بجارية غيره يجوز أن يكون ملكها على صاحبها، فاحتمل أن يكون وطؤه حلالاً واحتمل أن يكون زنا، فلا يجب أن يتعلق رد شهادته بالزنا.

  فإن قيل: فالحاكم إذا حكم برد شهادة فاسق في حكم من الأحكام فإنها لا تقبل إن أعادها بعد التوبة، فكذلك شهادة القاذف.

  قيل له: لأن الفاسق إذا أعاد شهادته بعد التوبة فإنه يعيد شهادة قد حكم الحاكم بإبطالها بعينها فلم يجز أن تقبل، وليس كذلك شهادة القاذف بعد التوبة؛ لأن الحاكم لم يحكم بإبطالها بعينها، وعلى أن الفاسق إذا أعاد شهادته بعد التوبة