باب القول في حد القاذف
فصل: [في أن السكر هو الذي أكثر كلام صاحبه الاختلاط]
  اختلفوا في السكر، قال أبو حنيفة: السكر هو الذي لا يعقل صاحبه السماء من الأرض والرجل من المرأة. قال أبو يوسف ومحمد: إذا كان أكثر كلامه الاختلاط فهو سكر. وقال القاسم # في السكران: يجوز بيعه وشراؤه. فدل قوله ذلك على أن قوله في السكران مثل قول أبي يوسف.
  ووجهه: ما روي أن النبي ÷ أتي بسكران فقال: يا رسول الله، ما شربت الخمر، وإنما شربت نبيذ التمر والزبيب، فأمر به النبي ÷ فنهز بالأيدي وخفق بالنعال(١). فدل ذلك على أن السكر يكون سكراً وإن كان لا يبلغ إلى حيث لا يعرف السماء من الأرض، والناس أيضاً لا يمتنعون من تسمية من يتغير كلامه وحاله للشرب بالسكران عرفاً ولغة، فوجب أن يكون السكران ما ذهبنا إليه.
  فإن قيل: كل اسم جاء على فعلان لا يكاد يسمى به إلا إذا غلبت الصفة أو نقلت(٢)، كما لا يقال في الإناء: إنه ملآن حتى يمتلئ بما فيه، فكذلك السكران.
  قيل له: هذا منتقض بالعطشان والغرثان(٣)، فقد يقال: إن الرجل عطشان وغرثان وإن لم يتناه في العطش والجوع، فكذلك السكران.
فصل: [في مد اليدين أثناء الجلد]
  قال يحيى #: تمد يداه في الجلد. قال أبو حنيفة: لا تمد.
  ووجه ما ذهبنا إليه: أن هذا كيفية في الحد فيجب أن يكون موكولاً إلى رأي الإمام، ولأن مد يديه أصلحُ له؛ لأنه لا يؤمن إن حرك يده من أن يقع الضرب بها فتكسر أصابعه، ولا يؤمن أن يتناول السوط بيده فلا يصل إليه الحد.
(١) في المخطوطات: فبهز بالأيدي وخصف بالنعال.
(٢) في (أ، ج): تنقلت.
(٣) الغرثان بوزن العطشان: الجائع. (مختار ٢٢٥).