شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحدود

صفحة 293 - الجزء 5

  فإن ظفر به وقد أخذ المال وقتل قُتل وصلب بعد القتل، وذلك أن القتل لا يستحق إلا بالقتل، وذلك لقوله ÷: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث».

  وصلب بعد القتل تغليظاً لأخذه المال مع القتل، ولم تقطع يده ورجله لأنه لا يجمع عليه بين التغليظين، وأيضاً يدل على ذلك ظاهر قوله ø: {أَنْ يُّقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَٰفٍ}⁣[المائدة: ٣٣].

  فإن قيل: فقد قال الله ø: {أَنْ يُّقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ} وقد قلتم: إنه يجمع بين القتل والصلب.

  قيل له: قد أجاب يحيى بن الحسين⁣(⁣١) عن هذا بأن قال: إن «أو» هاهنا بمعنى الواو، وذكر أنه شائع في اللغة، وذكر له شواهد.

  ووجهه: أن الصلب ليس هو حداً قائماً بنفسه بالإجماع؛ لأنه لا يجوز أن يكون حداً لإخافة الطريق، ولا لأخذ المال، ولا للقتل؛ لأنه لم يقل أحدٌ: إنه يصلب ثم يترك لشيء من هذه الأشياء، فثبت أنه تابع للقتل، وإذا ثبت ذلك ثبت أن «أو» هاهنا بمعنى الواو للدلالة التي ذكرناها، ولم تقم مثل هذه الدلالة في قوله: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم [مِّنْ خِلَٰفٍ]⁣(⁣٢)}.

  ومن الناس من رأى أن يصلب ثم يقتل بالرمح أو نحوه. وعندنا يقتل ثم يصلب، وذلك لوجوه:

  منها: أن القتل لا يجوز أن يكون تابعاً للصلب، بل الصلب هو التابع للقتل؛ لأن القتل واجبٌ في الشرع في مواضع، وهو حكم مستقل بنفسه، والصلب المعرى عن القتل لا معنى له، ولا يجب في شيء من المواضع، فوجب أن يكون تابعاً للقتل، ووجب أن يكون القتل مقدماً عليه.


(١) الأحكام (٢/ ١٩٥).

(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ، ج).