شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الديات

صفحة 364 - الجزء 5

  فإن قيل روي: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» بغير ألف الاستفهام.

  قيل له: ذلك لا يخلو من أن يكون خبراً أو استفهاماً بغير ألف فإنه يصح، ولا يجوز أن يكون خبراً؛ لأنه لو كان خبراً كان كذباً؛ لأن القوم لم يحلفوا ولم يستحقوا دم صاحبهم، فلم يبق إلا أنه استفهام، وقد مضى الكلام فيه.

  وقوله ÷: «تبرئكم اليهود بخمسين يميناً» ليس فيه ما يدل على أن اليهود يبرؤون بالأيمان؛ لأن ظاهر قوله: «تبرئكم اليهود» خبر، وقد ثبت أنه ليس بخبر؛ إذ لو كان خبراً لكان كذباً؛ لأن اليهود لم يفعلوا ذلك، فلم يبق إلا أن يكون فيه ضمير، ويحتمل أن يكون استفهاماً، كأنه أراد أن يعرف هل يرضون بأن يحلف لهم اليهود ويبرؤوا، فبان بما بيناه أن هذا الحديث لا يدل على أن المدعين يحلفون ابتداءً، ولا على أنهم يستحقون بأيمانهم إن حلفوا شيئاً، لا دية، ولا دماً، ولا أن اليهود يبرؤون بأيمانهم، كيف وفيه: أن النبي ÷ قال: «إما أن يدوا صاحبكم أو يأذنوا بحرب» فقد دل هذا اللفظ على أن الدية لازمة لهم. وجملة ما في هذا الحديث ليس هو قول لأحد؛ لأن في آخره أن رسول الله ÷ وداه من عنده، وليس أحد يقول: إن ذلك حكم لازم لرسول الله ÷. وجملة⁣(⁣١) الأمر أن حديث سهل يشتمل على تخاليط لو تتبعناها لطال الكلام، وقد روي⁣(⁣٢): والله ما هكذا⁣(⁣٣) كان الشأن، ولكن سهلاً وهم، ما قال رسول


(١) في (هـ): وحقيقة.

(٢) لفظ شرح مختصر الطحاوي (٦/ ٤٤): وقد ذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبدالرحمن بن بجيد - قال محمد بن إبراهيم: وايم الله ما كان سهل بأكثر علماً منه، ولكنه كان أسن منه - أنه قال له: والله ما هكذا كان الشأن، ولكن سهلاً أوهم، ما قال رسول الله ÷ احلفوا على ما لا علم لكم به، ولكنه كتب إلى اليهود حين كلمه الأنصار: أنه وجد فيكم قتيل بين أبياتكم فَدُوْه؛ فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً، فوداه رسول الله ÷ من عنده. وأخرجه بهذا اللفظ البيهقي في السنن الكبرى (٨/ ٢٠٩) وبنحوه أبو داود في السنن (٣/ ١٨٣).

(٣) في المخطوطات: وقد روي والله أعلم ما هكذا ... إلخ. والمثبت من شرح مختصر الطحاوي وغيره.