باب القول فيما تضمن به النفس وغيرها وما لا تضمن
مسألة: [في ضمان صاحب الدابة ما أفسدته من زرع غيره]
  قال: ولو أن دابة أفسدت زرع قوم ليلاً ضمن صاحب الدابة لصاحب الزرع ما فسد من زرعه، وإن أفسدته نهاراً لم يضمن(١).
  وبه قال الشافعي. قال أبو حنيفة وأصحابه: لا يضمن ليلاً كان ذلك أو نهاراً.
  والأصل فيه: ما روي أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت، فأتي به إلى النبي ÷، فقضى أن على أهل الماشية حفظها بالليل، وعلى أهل الزرع حفظه بالنهار(٢).
  فلما قضى ÷ على صاحب الماشية بحفظها في الليل كان من لم يحفظها وأرسلها(٣) متعدياً في إرساله، فيجب أن يضمن ما أفسدت من الزرع، كما أن من وقف دابته في شارع المسلمين فلا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة أن صاحبها يكون ضامناً لما يكون منها؛ لكونه متعدياً في أن يقفها، فكذلك من أرسل الماشية ليلاً يجب أن يضمن لكونه متعدياً في إرساله. وروى هذا الحديث أبو جعفر الطحاوي فزاد: «وعلى أهل المواشي ما أفسدت مواشيهم بالليل»(٤)، وروى أيضاً: «ما أفسدت المواشي بالليل ضمانٌ على أهلها»(٥).
  فإن قيل: فقد قال النبي ÷: «العجماء جبار» وهو عام.
  قيل له: يكون ذلك جباراً إذا لم يكن من صاحبها تعد في إرسالها، لا خلاف فيه، ألا ترى أنه إذا وقفها في الشارع لم تكن جباراً؟ فإذا صح ذلك وكان صاحبها متعدياً بإرسالها ليلاً لم يجب أن يكون ما تفسد ليلاً جباراً.
(١) المنتخب (٤٧٥).
(٢) أخرجه في أمالي أحمد بن عيسى (٤/ ٢٤٢) وأبو داود في السنن (٢/ ٥٠٥).
(٣) في (ب، د): أو أرسلها.
(٤) شرح معاني الآثار (٣/ ٢٠٣).
(٥) شرح معاني الآثار (٣/ ٢٠٣).