شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الديات

صفحة 414 - الجزء 5

  في العمد {فَاتِّبَاعُۢ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَٰنٖۖ}⁣[البقرة: ١٧٨] قال: عليه أن يتبع بالمعروف، وعلى هذا أن يؤدي بإحسان⁣(⁣١). فقد صرح أن العفو من قبل ولي الدم على ما يقتضيه العرف واللغة دون ما يدعيه الخصم من أن العفو من القاتل بأن يبذل الدية ويسمح بها.

  ويوضح ما ذهبنا إليه قول الله ø: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُۥ مِنْ أَخِيهِ شَےْءٞ}⁣[البقرة: ١٧٨] ولم يقل: الكل، فدل على أن العفو تناول⁣(⁣٢) بعض ما وجب، فبان⁣(⁣٣) بذلك أن القصاص والدية كانا واجبين على طريق التخيير، فلما عفي عن شيء منه - والمراد عن بعض منه، وهو القصاص - طالب بالحق الآخر.

  فإن قيل: قد ثبت أن للنفس مثلاً يستحقه الولي في القصاص⁣(⁣٤)، فوجب أن يكون القصاص هو الواجب؛ لقوله⁣(⁣٥): {فَمَنِ اِ۪عْتَدَيٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اَ۪عْتَدَيٰ عَلَيْكُمْۖ}⁣[البقرة: ١٩٤].

  قيل له: هذا يدل على وجوب القصاص، ونحن لا نأبى ذلك، بل نقول به، لكنه لا يمنع وجوب الدية مع طريق التخيير إذا دلت الدلالة عليه، وقد أقمنا عليه الدلالة، فما تنكر منه؟

  فإن قيل: لا خلاف أن من استهلك ما له [مثل]⁣(⁣٦) كان المثل هو الواجب دون القيمة، فوجب أن يكون المستحق بالقتل هو القود لا غير، وألا ينتقل إلى القيمة إلا بالتراضي.


(١) أخرج نحوه البخاري (٦/ ٢٣) والنسائي (٨/ ٣٦).

(٢) في (ب، د، هـ): يتناول.

(٣) في (هـ): فدل.

(٤) كذا في المخطوطات، ولعلها: وهو القصاص، ولفظ شرح مختصر الطحاوي (٥/ ٣٩١): أن النفس مما له مثل يستحقه الولي، وهو القود.

(٥) في المخطوطات: بقوله. والمثبت من شرح مختصر الطحاوي.

(٦) في المخطوطات: من استهلك ماله كان ... إلخ. والمثبت من شرح الطحاوي (٥/ ٣٩٢).