شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في القصاص

صفحة 419 - الجزء 5

مسألة: [فيمن سقى صبياً سماً عمداً فمات]

  قال: ولو أن إنساناً سقى صبياً سماً عمداً فمات قتل به.

  وذلك أن السم يقصد القتل به كما يقصد بالسيف، وربما كان السم أوحى⁣(⁣١)، فإذا حصل قاتلاً ففيه القود؛ لقول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ اُ۬لْقِصَاصُ فِے اِ۬لْقَتْلَيۖ}⁣[البقرة: ١٧٨]. وهذا إذا سقاه بيده أو جعله في طعام وصيره في فيه، فأما إن جعله في طعام أو شراب وخلى بينه وبين الصبي حتى يتناوله باختياره فالأقرب أنه يلزمه الدية دون القود؛ لأنه لم يباشر القتل بنفسه، كمن حفر بئراً في طريق من طرق المسلمين وإن كان قصده أن يعنت فيه عانتٌ فوقع فيه إنسانٌ أنه تلزمه الدية دون القود.

  وهذا وما ذكره في إيجاب القود بالخنق يكشف أن مذهبه إيجاب القصاص إذا قتل⁣(⁣٢) بكل شيء الغالب منه أنه يقتل، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. قال أبو حنيفة: لا قود إلا أن يقتل بالسيف أو الحديد أو ما يعمل عملهما. وهذا غير صحيح.

  والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله ø: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ اُ۬لْقِصَاصُ فِے اِ۬لْقَتْلَيۖ}⁣[البقرة: ١٧٨] وقوله: {۞وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ اَ۬لنَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية [المائدة: ٤٥] وقول رسول الله ÷: «العمد قودٌ»، وما روي أنه ÷ خطب يوم فتح مكة فقال: «ألا ومن قتل قتيلاً فوليه⁣(⁣٣) بخير النظرين: بين أن يقتص أو يأخذ الدية» إلى غير ذلك من السنن الواردة في هذا الباب، فأوجبت هذه الظواهر من الكتاب والسنة القصاص لكل قتيل، وقوله: «العمد قود» أوجب القصاص في كل عمد، فلما أجمعوا على أن المخطئ لا قود


(١) أي: أسرع.

(٢) في (ب، د، هـ): قتله.

(٣) في (هـ): فأهله.