باب القول فيما تجوز فيه الوصية وما لا تجوز
  والذي يدل في الحامل على ما قلنا قول الله ø: {فَلَمَّا تَغَشَّيٰهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاٗ فَمَرَّتْ بِهِۦۖ} الآية [الأعراف: ١٨٩] ففصل بين حال أول الحمل وآخره، فوصف الأول بالخفة والآخر(١) بالثقل، فدل ذلك على اختلاف حكمهما، ولم يفصل أحد بينهما إلا بما ذكرناه.
  والأصل في هذا الباب: ما ثبت من أن العلة الخفيفة بمنزلة الصحة، والثقيلة منها بمنزلة المرض، ولم يكن الفاصل بينهما إلا أن(٢) ما يخشى عليه الموت من عارض عرض في مدة قريبة يكون حكمه حكم المرض المخوف، ومن لم يكن كذلك يكون في حكم الصحيح، وقد ثبت أن من تجاوزت ستة أشهر يخاف عليها الموت من الحمل في مدة قريبة، فأشبه من ابتدأ به البرسام أنه عرض له عارض يخاف منه(٣) الموت في مدة قريبة.
  فإن قيل: ولم قلتم: إنه يخاف على الحامل بعد ستة أشهر(٤) الموت في مدة قريبة؟
  قيل له: لأن بينها وبين الوضع المعتاد أقل من ثلاثة أشهر، وهذه المدة قريبة؛ لأن كثيراً من الأمراض المخوفة قد تمتد هذا القدر، وليس كذلك الفالج والنقرس؛ لأنهما يمتدان بصاحبهما سنين عدة، فوجب أن يكون ذلك حكم القريب. وكذلك من صاف عدواً أو باشر قتالاً؛ لأنه يخاف(٥) عليه لعارضٍ عرض الموت في مدة قريبة فأشبه المبرسم. ويمكن أن يقاس ذلك مع أبي حنيفة على من بارز أو قدم ليقتل. وليس لأصحاب أبي حنيفة أن يقولوا: لا يجب الفصل بين أول الحمل وآخره؛ لأنهم فصلوا بين حالتي المحارب إذا حضر
(١) في (هـ): والثاني.
(٢) «أن» ساقط من (ب، د). وفي (هـ): إلا بما يخشى.
(٣) في (أ، ج): فيه.
(٤) «بعد ستة أشهر» ساقط من (ب، د). وفي (هـ): على الحامل الموت بعد ستة أشهر.
(٥) في (أ، ب، ج): أو باشر قتالاً لا يخاف.