كتاب القضاء والأحكام
  فاقتضت الآية الاقتصار(١) على شهادة لرجلين أو لرجل(٢) وامرأتين، فمن أين قلتم بالشاهد واليمين؟ فقد رفعتم الاقتصار بالخبر، وذلك هو معنى النسخ.
  قيل له: الاقتصار عندنا ليس هو من مقتضى(٣) الآية ولا من مضمونها، فمتى رفعناه لا نكون رافعين لما أوجبته الآية، وإنما الاقتصار أنا لا(٤) نحكم إلا بما تضمنته الآية؛ لأن العقل أوجب ألا نحكم على أحد بشيء من الشهادات، فلما ورد الكتاب بالحكم بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين حكمنا بذلك، وتركنا ما عداه على حكم العقل، فمتى حكمنا بالشاهد واليمين رفعنا بذلك ما أوجبه العقل، وأضفناه إلى ما أوجبه الكتاب، ونظير ذلك مما لا خلاف فيه أن نهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ليس بنسخ لقوله تعالى: {۞قُل لَّا أَجِدُ فِے مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَيٰ طَاعِمٖ يَطْعَمُهُۥ ...} الآية [الأنعام: ١٤٦]، وإن كان الاقتصار على ما نطق به الكتاب واجباً لولا الخبر؛ لأن الاقتصار لم يكن من مقتضى الآية وموجبها، وإنما وجب الاقتصار لأن العقل اقتضى إباحة سائر الأشياء، فلما وردت الآية بحظر هذه الأشياء حظرناها، ورجعنا فيما عداها إلى حكم العقل، ثم لما وردت السنة في كل ذي ناب ومخلب ألحقناه بحكم الآية، ورفعناه من جملة ما أباحه العقل، فكذلك مسألتنا.
  فإن قيل: لما نزل قوله ø: {۞قُل لَّا أَجِدُ فِے مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً}[البقرة: ١٤٦] لم يحرم إلا ما نطق به الكتاب، ونزول تحريم أشياء بعد ذلك لا يوجب نسخ الآية.
(١) «الاقتصار» ساقط من (ب، د).
(٢) في (هـ): رجلين أو رجل.
(٣) في (ب، د): معنى.
(٤) كذا في المخطوطات.