كتاب القضاء والأحكام
  به، وليس له أن يطالب فيقول: حلفني؛ لأن المطالبة بالتحليف في الأصول أجمع من حق الخصم، ولأن الحبس يجب بعد ثبوت الحق وثبوت الامتناع منه، ألا ترى أن المدعي لا يطالب به أبداً؟ فلم يبق إلا أن يكون الذي أوجبه النكول هو الحق الذي ادعاه المدعي.
  ويمكن أن يقاس على البينة بأنه أمر أوجب حقاً بعد الإنكار للمدعي، فوجب أن يكون ذلك الحق هو المدعى.
  فإن قيل: هذا يعترضه النكول فيما يوجب القصاص.
  قيل له: إطلاق قول يحيى(١) # يقتضي أن القصاص وغيره في ذلك سواء كما روي عن زفر، فسقط هذا السؤال. على أن القياس عند أبي حنيفة يوجب ذلك، إلا أنه استحسن ترك الحكم به تعظيماً للأمر(٢)، ويرى القصاص به فيما دون النفس، وإن كان أبو يوسف ومحمد يوجبان الأرش في النفس وما دونها عند النكول، ويمكن أن يحترز من ذلك بأن يقال: إنه أوجب حقاً في مال بعد الإنكار. وليس لهم أن يقولوا: ذكر المال لا تأثير له في الأصل؛ لأن البينة قبل أن تثبت عدالتها في النفس توجب الحبس عند أبي حنيفة وإن كان لا يوجب في المال شيئاً، وقيل أيضاً: الحبس يجري مجرى العقوبة، ولم يثبت أمر يستحق به العقوبة، فلا وجه له.
  فإن قيل: اليمين حق للمدعي، فإذا نكل عنه فقد منعه حقه، فيحبس لذلك، كما قلتم في القسامة: إن من نكل عن اليمين يحبس حتى يحلف.
  قيل له: اليمين لا تكون بنفسها حقاً للمدعي، ألا ترى أنه لا يجتمع مع الحق المدعى؟ ولأن الأصول أن(٣) للمدعى عليه أن ينكل ولا يحلف، ولأنه قد كره
(١) في (أ، ج): إطلاق قول يحيى.
(٢) في شرح مختصر الطحاوي (٨/ ١٠٢): استعظاماً لأمر الدم.
(٣) «أن» ساقط من (ب، د).