شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب القضاء والأحكام

صفحة 160 - الجزء 6

  اليمين في الشيء اليسير، ولو كان ذلك حقاً للمدعي لم يصح من ذلك شيء، وليس كذلك حال اليمين عندنا في القسامة؛ لأنها تجتمع مع الدية فيكونان جميعاً حقين لأولياء الدم؛ فلذلك جاز حبس من امتنع.

  وحكي عن ابن سريج أنه قال: إن البينة جعلت علماً لإثبات الحق كما جعلت اليمين علماً لنفيه، فلما أجمعنا على أن امتناع المدعي عن إقامة البينة لا يبطل دعواه في الإثبات كذلك امتناع المدعى عليه عن اليمين لا يبطل ما ادعاه من النفي.

  قيل له: وكما أن المدعي إذا امتنع من⁣(⁣١) إقامة البينة لا ترد إلى المنكر كذلك إذا امتنع من اليمين لا ترد إلى المدعي. على أن النفي لا يستقر إلا مع اليمين، والإثبات قد يستقر عندنا وعندهم بغير بينة؛ لأنا نقرر بالنكول، وهم يقررونه برد اليمين مع النكول، فلم يجب أن يكون حكم اليمين حكم البينة، ولم يمتنع أن يبطل النكول ما ادعاه من النفي. وأيضاً قد لزم المدعى عليه قطع الخصومة باليمين أو التزام الحق، وهو من حق المدعي، فإذا امتنع من اليمين وجب أن يلزم الحق دون رد اليمين أو الحبس؛ إذ بواحد منهما لا تنقطع الخصومة.

  فإن قيل: روي أن النبي ÷ قال للأنصار: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم».

  قيل له: قد أنكر جماعة من المتقدمين هذا اللفظ، وادعوا الغلط على سهل بن أبي حثمة، وقد بينا ذلك في القسامة، وبينا أنه لو ثبت لوجب أن يحمل على وجه النكير، مثل قول الله ø: {أَفَحُكْمَ اَ۬لْجَٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَۖ}⁣[المائدة: ٥٢]، وقوله: {أَتَأْتُونَ اَ۬لذُّكْرَانَ}⁣[الشعراء: ١٦٥]، وقوله: {ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْۖ}⁣[يونس: ٥٩]. على أن الشافعي لا يحكم بمضمون هذا الخبر في غير الدم؛ إذ فيه أن النبي ÷ كتب إلى اليهود: يحلف منكم خمسون رجلاً، فقالت الأنصار: لا نرضى


(١) في (هـ): عن.