كتاب القضاء والأحكام
  بأيمان اليهود، فقال لهم: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» ولا خلاف في سائر الحقوق أن المدعى عليه إذا بذل(١) اليمين لم ترد على المدعي. على أن رد اليمين لا يجوز أن يكون [حقاً] للمدعي؛ لأن الإنسان لا يطالب بتحليف نفسه ليستحق على غيره شيئاً، ولا يجوز أن يكون حقاً للحاكم؛ إذ لا حق له في الخصومة، ولأنه لو كان حقاً [للمدعي لكان لا يجب إلا بمطالبة(٢)، فلم يبق إلا أنه حق المدعى عليه، وإذا كان حقاً](٣) له فلا يلزم إلا بطلبه(٤)، ونحن لا ننكر ذلك، وهو إحدى الروايات عن مالك.
  فإن قيل: روي: «لو أعطي الناس بدعاويهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم»، فبين أنه لا يعطى الإنسان بدعواه، وإذا حكمنا بالنكول فقد أعطينا بمجرد الدعوى.
  قيل له: ليس الأمر كذلك؛ لأن النكول أمر يتجدد [من المدعى عليه، وليس هو دعوى المدعي، كما أن الإقرار أمر يتجدد من المدعى عليه](٥)، ولا يمتنع أن يتعلق بالنكول أحكام بحسب الأدلة كما تتعلق بسكوت البكر وكف الشفيع عن طلب الشفعة، وإذا كان كذلك لم نعطه بمجرد الدعوى شيئاً.
  فإن قيل: النكول لا يخلو أن يكون بمنزلة البينة أو الإقرار، فإن كان بمنزلة البينة أو بمنزلة الإقرار لم يجب أن تسمع بعد ذلك يمين الناكل.
(١) في (ب، د): بر. وفي (ج): أبرأ. وفي (هـ): رد. والمثبت من شرح مختصر الطحاوي (٨/ ١٠٠) ولفظه: ولا خلاف أن اليمين لا ترد على المدعي في سائر الحقوق مع بذل المدعى عليه اليمين، وأن عدم رضا المدعي بيمين المدعى عليه لا يوجب رد اليمين عليه.
(٢) في (هـ): بمطالبته.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د).
(٤) في (ب، د، هـ): فلا يلزم أن لا يطلبه.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د، هـ).