كتاب القضاء والأحكام
  قيل له: هو عند يحيى بن الحسين بمنزلة الإقرار؛ لتنصيصه في المنتخب(١) أنه إقرار، إلا أنه ليس بإقرار محض، بل هو جار مجراه على بعض الوجوه ليس على جميع الوجوه، فقد نص أيضاً على أن يمين الناكل مسموعة، وفي ذلك ما يوجب أنه مشبه بالإقرار إلا أنه يضعف عنه، ألا ترى أنه ليس لقائل أن يقول: إن السكوت لو كان إجازة لاستوى فيه البكر والثيب؟ لأنه وإن كان إجازة فليس هو إجازة تامة، بل يضعف حاله عن ذلك؛ فلذلك جاز أن يختص ولا يعم كما تعم الإجازة، وكذلك النكول.
  فإن قيل: لما لم يكن بد من القول بالنكول أو برد اليمين وجب أن نصير إلى الأقوى، ورد اليمين مع النكول أقوى.
  قيل له: قد بينا أن رد اليمين على ما يقوله الشافعي لا وجه له؛ لأنه لا يجوز أن يقال: إنه حق للمدعى ولا حق للمدعى عليه، وإذا بطل ذلك ثبت الحكم بالنكول. على أن هاهنا قولاً ثالثاً، وهو القول بالحبس، وهو يبطل ما تعلقوا به.
  فإن قيل: إن رد اليمين حق للمدعى عليه وإن كان الحاكم هو المطالب به، [كالتعديل أنه حق للمدعى عليه وإن كان الحاكم هو المطالب به](٢).
  قيل له: التعديل ليس هو حقاً للمدعى عليه، وإن كان حقاً له لم يجب على الحاكم المطالبة به إلا بعد التماس المدعى عليه ذلك كما ذهب إليه أبو حنيفة فيما عدا الحدود، وإنما نقول: إنه حق لله، ولهذا يختص الحاكم بالمطالبة به.
  فإن قيل: قوله ø: {أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَٰنُۢ بَعْدَ أَيْمَٰنِهِمْۖ}[المائدة: ١١٠] يدل على رد اليمين.
  قيل له: نحن لا ننكر رد اليمين جملة، وإنما ننكر ردها على الوجه الذي قلتم، فلا تعلق لهم بالآية. ويقال لهم: لو لم يجب الحكم بالنكول لم يجب أن ترد
(١) المنتخب (٤٩٢).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د).