باب القول في الدعوى والبينات
  ووجهه: أنه إذا طلب يمينه فقد تضمن دعوى أن دعواه باطل، وأنه يعلم ذلك، فصار مدعياً وذاك منكراً، كما أنه لو ادعى أنه قد قضاه ذلك الحق أو أبرأه منه صار مدعياً، والمدعى عليه منكراً، فتلزمه اليمين؛ لقوله: «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه».
  فإن قيل: ألستم ذكرتم في أول هذا الباب أن المدعي الذي عليه البينة هو الذي يحاول أخذ شيء من غيره، أو إلزامه(١) حقاً لا يلزمه في الظاهر، أو إسقاط حق ثابت عليه في الظاهر، وهذا ليس هو واحداً من ذلك؟
  قيل له: هو أحدها، وذلك أن طلبه يمينه يتضمن دعوى علمه ببطلان دعواه، فهو يلزمه ترك دعواه وإبطالها، وذلك لا يلزمه في الظاهر.
  وقد روي عن علي(٢) # أنه استحلف الخصم مع بينته، روى ذلك زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي $(٣)، وذكره الطحاوي في اختلاف الفقهاء(٤)، وروى الشعبي عن شريح أنه كان يأخذ اليمين مع الشهود إذا طلب الخصم ذلك، ولم يرو خلاف ذلك عن أحد من الصحابة، فجرى ذلك مجرى الإجماع، وبه قال الأوزاعي والحسن بن صالح بن حي، حكاه الطحاوي(٥).
  فإن قيل: فالحد يلزم القاذف(٦) بالبينة من غير يمين؛ لقوله ø: {وَالذِينَ يَرْمُونَ اَ۬لْمُحْصَنَٰتِ ...} الآية [النور: ٤].
(١) في (ب، د، هـ): وإلزامه.
(٢) جعل هذا في شرح القاضي زيد مسألة مستقلة عن مسألة رد اليمين على المدعي، ولفظه: مسألة: فإذا طلب المدعى عليه يمين المدعي بعد إقامة البينة على ما ادعاه أنه حق واجب له وجب أن يحلف على أصل يحيى #. ثم ذكر المروي عن أمير المؤمنين.
(٣) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٠٣).
(٤) مختصر اختلاف العلماء (٣/ ٣٣٣).
(٥) مختصر اختلاف العلماء (٣/ ٣٣٣).
(٦) في (أ، ب، ج، هـ): المقذوف. وظنن في (ب) بـ: القاذف.